على «حبليْن متلازميْن» يسير المشهد اللبناني في سياق عملية «شدّ الأحزمة» أمنياً ومحاولات «سدّ الثغر» السياسية داخلياً في ملاقاة التحولات في المنطقة ولا سيما في سورية التي اقتربت أزمتها من ان توضع على سكّة الحلّ السياسي المدفوع بـ «عصْف» الإرهاب المتشظي في عمق اوروبا، كما في اليمن الذي بدأت الوقائع العسكرية فيه تعبّد الطريق أمام تسوية وفق مرتكزات قرار مجلس الأمن 2216.ولأن المنطقة دخلت مرحلة انتقاليّة يفترض ان تمهّد لإطفاء «الحرائق» الاقليمية للتفرّغ لمحاربة «داعش» الذي صار «خطراً عالميا»، فان لبنان بدا في الأيام الأخيرة على مشارف مرحلة سياسية تسير على طريقة «الخطوة خطوة» وكأنها امام «بازل» يتمّ تركيبه «قطعة قطعة» ليكتمل بعدها المشهد المفتوح على التحوّلات في المنطقة.ولعلّ أبرز تعبير عن تكييف الواقع اللبناني مع متطلّبات اللحظة الاقليمية المستجدة تمثّل في أمريْن: الاول إطفاء «حزب الله» محركات التصعيد الذي كان بلغ ذروته في ذكرى عاشوراء وصولاً الى هتافات غير مسبوقة في المجاهرة بالعداء للسعودية التي صارت عنواناً لشعار «الموت»، ليطلق بعدها أمينه العام السيد حسن نصر الله مبادرة لتسوية شاملة في لبنان على قاعدة «السلّة الواحدة» تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وتركيبتها وقانون الانتخاب. والثاني ملاقاة الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري طرح نصر الله بموقفٍ متناغم ولكن عكس تبايناً حيال «اولويات السلّة» التي تعتبر قوى 14 آذار ان مفتاحها التفاهم على رئيس توافقي (غير العماد ميشال عون) بما يجرّ حكماً الى حلّ البنود الأخرى وفق الدستور وعلى طريقة «أحجار الدومينو» (كما قال الرئيس فؤاد السنيورة)، فيما يتمسك فريق 8 آذار بـ «الصفقة الشاملة» على ان يبدأ التنفيذ من الرئيس، بما يساعد هذا الفريق على «تدوير» الخسائر والارباح.وتَرافق هذا المناخ المستجدّ، الذي واكبته عواصم القرار العربي والغربي وصولاً الى اعتبار السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبكين ان «ما طرحه نصرالله حول التسوية الشاملة هو بداية الحل»، مع عملية «تدليك» للمؤسسات تجلّت في الآتي:اولاً إدارة العجلة التشريعية للبرلمان في جلسةٍ مرّرت قوانين مالية اضطرارية أنقذت البلاد من «ورطة» مع المجتمع الدولي وغطّت نفقات لأشهر اضافية.وثانياً وقوف الحكومة على مشارف استعادة جلساتها من بوابة ملف النفايات وبتّ خيار الترحيل والعروض المقدّمة، وسط تقديرات بأن الرئيس تمام سلام الذي نال إجماع أعضاء طاولة الحوار الوطني في اجتماعها اول من امس على وجوب تفعيل مجلس الوزراء، سيدعو الى جلسة إن لم يكن هذا الاسبوع فعلى الأرجح الثلاثاء المقبل اي غداة ذكرى الاستقلال. علماً ان مسار عمل الحكومة بعد هذه الجلسة يتراوح بين ما نُقل عن العماد عون من انه وافق على عقد جلسة حل أزمة النفايات وجلسات أخرى لبتّ القضايا الملحّة، اي بمعزل عن موقفه الرافض اي اجتماع للحكومة قبل إجراء تعيينات أمنية، وبين عدم الوصول بعد الى تفاهم على آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء.وثالثاً سلوك قانون الانتخاب طريقه إلى لجنة مختصّة في محاولة للتفاهم على مشروع واحد، على ان تتلقى اللجنة «المساعدة السياسية» من هيئة الحوار التي تعاود اجتماعاتها الاربعاء المقبل.وحاذرت أوساط سياسية في بيروت الإفراط في التفاؤل حيال مآل هذا المناخ لاعتقادها ان ما يحصل من مبادرات قد لا يعدو كونه «علاقات عامة» للحدّ من التشنج الداخلي وعزْل لبنان ما أمكن عن تأثيرات الأزمة السورية.وكان الأكثر إثارة للانتباه في غمرة التوجس الأمني ما اعلنه منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيْد الذي «غرّد» عبر «تويتر» انه في «المراحل الانتقالية تكبر المخاطر الأمنية وتزداد حوادث فرْق عملة. لذا نحذر جميع الشخصيات بأخذ الحذر الشديد».وفسّرت مصادر مطّلعة «تحذير» سعيْد على انه يعبّر عن خشية من ان تترافق عملية ترتيب أوضاع المنطقة مع عمليات اغتيال نوعية في لبنان «تشطب» شخصيات مؤثّرة في المعادلة اللبنانية، مذكّرة بان انسحاب الجيش السوري من لبنان سبقه في 14 فبراير 2005 جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومعربة عن خشيتها من ان يترافق انسحاب النظام السوري (الأسد) من سورية مع اغتيالات من النوع الذي يفضي الى تداعيات بالغة الأهمية على مرحلة ما بعد انتهاء الأزمة السورية التي سترسم واقعاً جديداً في لبنان.
خارجيات
«بازل» التسوية في لبنان على طريقة... الـ «قطعة قطعة»
12:19 ص