تحاول بعض الأقلام والأوساط الإعلامية والاستخبارية الترويج لفكرة أن مواقف المرجعيات الدينية الشيعية وجماهيرهم المليونية في مختلف اقطار العالم العربي والإسلامي الداعمة للحق الفلسطيني والرافضة لأي تطبيع أو اعتراف أو استسلام للكيان الصهيوني إنما ذلك نتيجة لاحقة للصراع الإيراني ـ الأميركي، وأنه بمجرد الاتفاق وحسم الصراع بينهما فإنك لن تسمع أي صيحات تندد بإسرائيل أو دعوات لرفض التطبيع معها.ولهؤلاء ولغيرهم من الذين في قلوبهم مرض نستعرض جانباً من دراسة قيمة للباحث الكويتي الوحيد، حسبما نعرف، المتخصص في الشؤون الفلسطينية السيد عبدالله عيسى الموسوي. ففي دراسة صدرت أخيراً له تحت عنوان «دور علماء الشيعة الأوائل في دعم القضية الفلسطينية» يذكر الموسوي أنه في عام 1928 شارك الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، وهو من المراجع الكبار في النجف الأشرف بالعراق في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في مدينة القدس، وفي ليلة المبعث النبوي ألقى الشيخ خطبة في جموع المصلين الذين زاد عددهم على خمسين ألف مصل، وخطب لمدة ساعة ونصف الساعة خطبة بليغة عن مكانة المدينة المقدسة والأخطار التي تواجهها. ولما نزل من المنبر اتفق العلماء من المذاهب الأربعة على أن يؤمهم في المسجد الأقصى الشيخ كاشف الغطاء طوال مدة إقامته في المدينة المقدسة. وفي عام 1933 أفتى الشيخ كاشف الغطاء بتحريم التعامل مع اليهود وتحريم بيع الأراضي لهم وجاء في فتواه «هل يشك أحد أن ذلك البيع والمساعدة عليه والسمسرة فيه، بل والرضا به، محاربة لله ولرسوله»، كما قام سماحته بتوجيه خطاب تاريخي للشعب الفلسطيني في عام 1946 قال فيه: «إن مقاطعة الصهاينة اليوم فرض محتم، بل من أهم الفرائض وأعظم الواجبات». كما وصف سماحته الحركة الصهيونية بأنها مثل «جرثومة السل الخبيثة التي تتبوأ من جسد الإنسان أشرف أعضائه الرئيسية من الرئة والقلب فتفتك بحياته». وعشية صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 181 الذي قام بتقسيم فلسطين قال سماحته: «إن الواجب المحتم على كل عربي وعلى كل مسلم له أدنى حس وشعور وبمقدار ما له من الغيرة على قومه وبلاده أن يبذل كل ما في وسعه وإمكانياته وأقصى جهد بماله ولسانه ونفسه في مقاومة هذه الفكرة الخبيثة، فكرة إنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين». وفي إيران برز السيد أبو القاسم الكاشاني كمرجع ديني دعا ونظم وشارك في المظاهرات الكبرى في طهران عام 1948 التي خرجت تندد بقيام الكيان الصهيوني ولقد قام بتنظيم حملة كبيرة لجمع الأموال وإرسال المتطوعين لمساعدة الفلسطينيين. وفي لبنان وخلال عدوان عام 1967 ناشد العلامة الكبير السيد عبدالحسين شرف الدين علماء الدين في كل مكان أن يقولوا كلمتهم في فتوى صريحة وصارخة لكي يستيقظ النائمون ومما قاله: «أهيب بجميع أبنائنا في الله في المشرق والمغرب إلى الاشتراك في معركة تقرير المصير هذه وإعلان الحرب على الاستعمار الذي جعل من شريعة حقوق الإنسان شريعة قراصنة، ألا وإن الاستعمار الغربي يغزونا في عقر دارنا معتدياً غاشماً، وإن من مات دون حفنة من تراب وطنه مات شهيداً». وفي أثناء حرب عام 1967 وضع المراجع الشيعية ثقلهم خلف جهاد الشعب الفلسطيني، وقد طالب المرجع الأعلى وقتها السيد محسن الحكيم زعماء الدول الإسلامية رعاية المصالح العليا للأمة ونبذ الخلافات والوحدة من أجل مواجهة الصهاينة. ومنذ عام 1968 شخص الإمام الخميني الحركة الصهيونية بأنها غدة سرطانية في قلب العالم الإسلامي وطالب بزوال هذا الكيان وعدم التفاوض معه بأي شكل من الأشكال، وقد أفتى سماحته بوجوب دفع الحقوق الشرعية «الخمس» لدعم الشعب الفلسطيني، وجاء في فتواه الشهيرة: «من الواجب تخصيص قسم من الحقوق الشرعية من الزكاة وحق الإمام بما فيه الكفاية للمجاهدين في سبيل الله المرابطين في جبهات الكرامة والمجد للقضاء على الصهيونية الكافرة».وبهذا الاستعراض السريع لمواقف بعض المرجعيات الشيعية، وهناك العشرات غيرها ومنذ بدايات القضية الفلسطينية يتبين لأي باحث عن الحقيقة أن القضية الفلسطينية هي في وجدان المسلمين الشيعة، وأن علماء الشيعة ومرجعياتهم الدينية وجماهيرهم لا يخضعون هذه القضية المركزية المصيرية لحسابات الربح والخسارة أو يعرضونها لمساومات البازار السياسي بين أي طرف كان. ولكنه واجب وتكليف شرعي يسألون الله به القبول مهما حاول بعض المغرضين والمرجفين تشويهه أو تصغيره أو الغاءه، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكارهون، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

عادل حسن دشتي

كاتب كويتيDashti2006@hotmail.com