تعددت الأسباب ... والظاهرة واحدة!فنانون يجلسون بلا عمل، برغم كثرة الأعمال الدرامية!كثير من الممثلين والممثلات يشعرون بالظلم والتهميش، والإقصاء أيضاً، وصاروا يشكون، بالهمس حيناً، وبالصوت العالي في غالبية الأحيان، من أنهم يبقون في بيوتهم فترات طويلة من الزمن، لا يجدون عملاً يشاركون فيه، ولا دوراً يمثلونه، حتى صار يقهرهم اليأس من غيابهم - أو تغييبهم - عن شاشة الدراما التي وهبوها حياتهم وجعلوها مهنتهم!فنانون وفنانات باتوا يتساءلون عن السبب الذي يجعلهم يطيلون الجلوس على مقاعد المتفرجين بلا عمل، في حين كانوا من قبل أبطالاً في المسلسلات ونجوماً على الشاشة... وأخذوا يتذكرون الدراما المزدهرة والغنية والرصينة في الثمانينات... فما الذي تغير؟«الراي» التقت لفيفاً من الفنانين، وشاركتهم في طرح السؤال الذي شغل عقولهم طويلاً، واقتسمت معهم مهمة التفكير بصوت مرتفع، بحثاً عن إجابة في كواليس الوسط الفني!البعض ألقى باللوم على «الشللية» التي يمارسها بعض المنتجين، فيستقطبون «رَبعهم» للمشاركة في أعمالهم، أما الفنانون الذين لا يقفون تحت مظلتهم فليس لهم إلا البقاء بعيداً عن مجال الكاميرات!آخرون عزوا ظاهرة «الركود» التي يعانونها إلى أن بعض قنوات التلفزة تفضل النجوم الشباب، طمعاً في رواج المسلسل، غير مكترثين ببقية الممثلين الذين يجب تصميم أدوار خاصة بهم.وفي حين أعاد البعض الظاهرة إلى تغيرات في الوسط الفني ذاته، أو في شُح النصوص المقدمة، اعتبر آخرون «أن الدراما بخير، وإن كانت تحتاج إلى بعض الإصلاحات»، واستبعدوا وصفها بالركود «لمجرد أن بعض الممثلين لم تُسنَد إليهم أدوار»!«الراي» شاركت الفنانين شكواهم، ورددت معهم علامات الاستفهام، واقتسمت معهم محاولاتهم لتفسير الظاهرة التي تثير مخاوفهم على مصدر رزقهم وثروتهم الإبداعية... والتفاصيل تأتي في هذه السطور:البداية كانت مع الفنانة أحلام حسن التي أنحت بالملامة على النصوص الدرامية في المقام الأول، مشيرةً إلى «أن كثيراً من هذه النصوص تفتقر إلى الجودة والرصانة، والنصوص الجيدة التي تُطرَح على المنتجين في الفترة الحالية قليلة»، ومردفةً «أن هناك أسباباً أخرى تُسهم في ظاهرة الركود الدرامي عند فنانين كثر».حسن استطردت إلى شرح هذه الأسباب بقولها: «ألاحظ أن هناك أشخاصاً معينين يرشَّحون للعمل في كل مرة، وكأن المسألة تخضع للشللية، وأيضاً أحد العوائق يتمثل في أن مجرد خلافات بسيطة مع فنان قد تتسبب في الحيلولة دون مشاركته في عمل ما»!وأضافت حسن «أن كثيراً من القنوات لا تقبل سوى الأعمال التي يشارك فيها نجوم كبار حتى تضمن الرواج لهذه الأعمال، ما يجعل فناني الصف الثاني ينتظرون طويلاً حتى يتلقون دوراً مناسباً»، مكملةً: «أتمنى في الفترة المقبلة أن تتحرك عجلة الدراما بإيقاع أسرع»، وإن استدركت: «أما عني شخصياً، فمن طبعي أنني لا أحب أن أعمل كثيراً، ولذلك أجد الأمر الحالي عادياً بالنسبة إليّ ولا يثير قلقي»!وواصلت أحلام حسن: «أنا لست (ابنة التلفزيون)، بل أعتبره (بيت عمي)، لذلك أكتفي بأن أزوره (زوارة) فقط، بينما أركز أكثر على المسرح الذي أعتبره بيتي»، متمنيةً «أن يستمر العمل التلفزيوني طوال العام كما كان مزدهراً في فترات سابقة».بدورها شكت الفنانة طيف إلى «الراي» من معاناتها بسبب الركود الفني في الآونة الأخيرة، مؤكدةً: «بالفعل أقول إنني في وضع ركود، حتى إنني - إذا سألني أحد عن الجديد - غالباً ما أجيبه بأنني ليس لديّ شيء، إلا إذا تلقيتُ عملاً، وهو صار أمراً نادراً»!وعرضت طيف إلى أسباب الركود بقولها: «أولاً المخرج والمنتج يريدان فئة عمرية معينة من الفنانين، وهي غالباً تقتصر على الشباب»، متابعةً: «أنا لستُ ضد الشباب بالطبع، لكن ما أشاهده أنني وبنات جيلي نُبعَد عن الساحة، ولا تُسنَد إلينا أدوار مهمة، على رغم أن هذه الأدوار موجودة في كل عمل، لكنهم لا يعطون الشخصيات الرئيسية إلا للشباب، اعتماداً على أن النجوم الشباب هم من يبيعون العمل»، ومتسائلةً: «وهل نحن لا نسوِّق ولا نبيع العمل، ألسنا نمثل أدوار الأم والأخت الكبيرة والمطلقة والأرملة، وغيرها، وهل لم يعد أمامنا إلا الشخصيات الثانوية؟».وعرَّجت طيف على ظاهرة «الشللية»، واصفةً إياها بأنها «تنتشر في الوسط الفني، إذ صار لكل منتج مجموعة خاصة به يشركها في أعماله، ولا يلجأون إلينا إلا عندما تنقص عندهم شخصية ما»، مختتمةً كلامها بقولها: «بصراحة أنا زعلانة جداً من هذا الأمر»!في هذا السياق قال الفنان حميد البلوشي «السبب في تقديري هو (الشللية) التي تسيطر على صناعة الدراما، وكل مجموعة معينة صارت تعمل معاً، غير مكترثين بالآخرين»، مكملاً: «هذا عيبنا في الكويت، إذ يتعرض للظلم كثير من الممثلين، ويعانون بسبب التجاهل والتهميش»!في المقابل طرح الفنان سعيد الملا رأياً مغايراً بقوله: «أنا شخصياً لا أرى ركوداً، بل أجد الكل يعملون بمستوى معقول، حتى الذين لا يملكون موهبة»، متابعاً: «لا أحد قاعدا في بيته بلا عمل»، ومكملاً: «سأتحدث عن التلفزيون ... أنا لا أنخرط في أعماله كثيراً، لأنه ليس هدفي الرئيسي»!وأضاف الملا: «التلفزيون كما تعلم له موسم واحد، وهو شهر رمضان المبارك، وجميع الممثلين ينشغلون أشهرا قبل هذا الشهر كي ينجزوا أعمالهم، بينما يشاركون في بقية السنة إن تلقوا عروضاً خارج الخريطة»، ومتابعاً: «لكن هناك في الوقت ذاته وجوهاً تتكرر في أعمال عدة، وأحياناً تُعرَض هذه الأعمال في أوقات متزامنة أو متقاربة، لدرجه أنني أتوه بين الأعمال المعروضة، وكأنه لا يوجد ممثلون إلا هؤلاء»!وزاد: «أنا أجد نفسي على خشبة المسرح ... وللمسرح ثلاثة مواسم هي عيدا الفطر والأضحى المباركان، وعطلة الربيع وفبراير»، مكملاً: «أما عني أنا شخصياً، فعلى الرغم من أنني عُرف عني أنني طالما مثّلت دور المرأة المصرية، فإنني لا أرى أنني أكرر نفسي، أو أنني محاصر في مربع»، ومدللاً على ذلك بقوله «إن الخياط الماهر يستطيع أن يصنع رداءً جيداً حتى لو كانت الخامة رديئة، وأقصد بذلك أن المخرج يلعب دورا كبيراً في إبراز الممثل»، مواصلاً: «بيت القصيد أن الممثل يعتمد على المخرج ليظهره، بينما المخرج يعتمد على أداء وحس الممثل»، وختم رأيه قائلاً: «أنا لا أجد ركوداً، بل ظلماً للبعض من الذين لا يعملون، ويجب على الجميع أن يعملوا لتغيير الوضع».في هذا الإطار قالت الفنانة ياسة: «أنا لست متابعة لأحوال الوسط الفني، ولا أعلم من يشتغل ومن هو متوقف، وهذا العام وجدت شيئاً لافتاً، إذ اكتشفت أن هناك من يسألني أيضا عن الجديد، ويستفسرون عن هذا الركود، بمعنى أن هناك الكثيرين لا يعملون، وهذا الأمر لم أشعر به من قبل، وفي السابق كانت هناك تمثيليات متعددة، وثلاثيات وسباعيات وسهرات من حلقة واحدة، وهذا الشيء انقطع حالياً»، مكملةً: «حتى المسلسلات ذات الخمس عشرة حلقة توقفت في الألفيات، والشغل يتكدس كله في شهر رمضان، ومع ذلك لا أجد مبرراً للوضع والركود الفني».من ناحيتها كشفت الفنانة نور لـ «الراي» عن اقتناعها بأن تقليل ظهورها أفضل، مضيفةً: «منذ بداياتي وضعت خطة منهجية لظهوري، وهي ألا أشارك في أكثر من عمل واحد في العام، والتزمت بالحرص على هذه القاعدة»، وموضحةً: «كنتُ في السابق أتعامل مع منتج معين فترةً ثم أنتقل إلى منتج آخر، بحيث أختار الدور الذي يشدني وأهتم بتفاصيله وتأديته على أكمل وجه، وأكتفي به، فأنا لا أبحث عن الكم، ولذلك لا أجد نفسي في حالة ركود، بل حالة اختيار شيء واحد جيد»، ومتابعةً: «لا أعلم بظروف عمل الآخرين، ولا أنشغل بماذا عملوا وماذا تركوا، بل أهتم بشغلي وكل التفاصيل التي تهمني فقط»!الفنان إبراهيم الشيخلي عبَّر عن وجهة نظر مختلفة، فأكد أن الدراما تسير بخطى ليست سيئة تماماً، مستدركاً: «لكن التجارة دخلت في الفن وهيمنت عليه، وصار المنتج يختار الفنان كبضاعة، وعندما تتابع مسلسلاً لبنانياً أو تركياً لا تعرف أسماء الممثلين، لكن تشدك القصة والتمثيل والأداء، أما عندنا فالأهم هو الممثل»، ومكملاً: «ان هناك أسماء بعينها تُفرَض على العمل، وقصصا لكتاب محددين، واعتقد أن هذا هو الذي يهدم الدراما ولا يبنيها».الشيخلي واصل: «إن كان البعض لا يعملون، فهذا لا يعني أن الدراما في ركود... ويجب أن نرى أين كانت الكويت وكيف صارت، في السابق كانت هناك قصة وفكرة، وهذا من أهم العناصر، وكانت الحلقات قليلة لكنها مفعمة بالفكر، أروع مسلسلات الوطن العربي كانت أقل من عشرين حلقة، أما الآن فمعظم المسلسلات «حشو»، والممثلون يُسوّقون»!أما الفنان الشاب عبدالله الحمادي فجمع أكثر من سبب للظاهرة، مبيناً: «الركود يعود إلى قلة المنتجين الفاعلين في سوق الفن قياساً بعدد القنوات الكثيرة الموجودة حاليا»، ومضيفاً: «ان الشللية منتشرة بين المنتجين الذين يستقطبون فنانين معينين لأعمالهم، فنجدهم يظهرون في غالبية هذه الأعمال، على الرغم من صعوبة التوفيق بين أكثر من عمل في وقت واحد، بينما يصر بعض المنتجين على عدم إشراك فنانين من غير جماعتهم»، مستطرداً: «من الضروري تنوع القضايا وجميع عناصر الدراما، خصوصاً الممثلين، لتكثر الأعمال في الساحة وتتباين، والمستفيد من هذا التنوع، في نهاية المطاف، هو الجمهور».