تنامت المخاوف السياسية والشعبية في لبنان من بوادر أزمةٍ سياسية جديدة كبرى قد تفوق بتداعياتها الداخلية كل ما سبقها جراء المواجهة الجارية حول الجلسة التشريعية لمجلس النواب التي ستنعقد مبدئياً غداً وبعده وذلك في حال مقاطعتها من القوى المسيحية الرئيسية المتمثّلة بـ «التيار الوطني الحرّ» وحزب «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب اللبنانية».وقد تسارعت ظواهر الانزلاق الى هذه المواجهة وما قد تسفر عنه من تداعيات تنذر بتصاعُد الطابع الطائفي لها مع الإخفاق حتى البارحة في التوصل الى مخرج يضمن انعقاد الجلسة وإقرار بعض المشاريع الملحة المدرجة على جدول أعمالها وإرضاء القوى المسيحية الثلاث المذكورة، بما يحول دون مقاطعتها الجلسة والطعن تالياً في ميثاقيتها مع غياب المكونّات المسيحية الأساسيّة.ومع ان المساعي تَواصلت امس بزخم من اجل تَدارُك انفجارٍ سياسي واسع يمكن ان تَتسبب به جلسة «امرٍ واقع» يُفرض على هذه القوى الثلاث التي قد تتجه نحو قلب طاولة التحالفات التي سادت لبنان منذ عشرة أعوام، فان الأمل بدا ضئيلاً في إمكان اجتراح تسوية اللحظة الأخيرة، في ظل تَشابُك التعقيدات والمواقف المتصلّبة التي يُخشى معها ان يغدو أفرقاء الأزمة أسرى السقوف العالية التي أعلنوها.ويمكن إجمال المشهد المأزوم بمجموعة تطورات تَسارعت بقوة سواء على مستوى المواجهة بين الثنائي «التيار الحر» (بزعامة العماد ميشال عون) و«القوات اللبنانية» (بقيادة الدكتور سمير جعجع) من جهة ورئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة أخرى، او بين كل من القوى المسيحية وحلفائهما بالذات.فعلى المستوى الاول، بدا الرئيس بري متشدداً للغاية في الإصرار على الجلسة بجدول أعمالها من دون إضافة موضوع قانون الانتخابات الذي يصرّ الثنائي العوني و«القواتي» على إدراجه. ولم تنفع محاولات بري في إقناع الثنائي بإدراج قانون استعادة الجنسية وحده الذي يًعتبر مطلباً آخر جوهرياً للفريقيْن المسيحييْن. وكان لافتاً في سياق متصل ان «تيار المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) دخل على خط المساعي من خلال إبداء استعداده لسحب تعديلاتٍ طرحها على مشروع الجنسية وأثارت معارضة مسيحية واسعة انضمّ اليها البطريرك الماروني بخصوص حقّ منْح المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي جنسيتها لابنائها، وذلك بداعي الاخلال بالتوازن الطائفي لانه سيترتب على ذلك تجنيس مئات الآلاف من الفلسطينيين والسوريين والأجانب. الا ان ذلك لم ينزع فتيل المواجهة لأن قانون الانتخاب بات العنوان الأكبر للخلاف الذي لم يتراجع حياله ايّ فريق.ووجد تيار «المستقبل» كما «حزب الله» نفسيْهما للمرة الأولى أمام إحراجٍ مماثل من خلال اهتزاز علاقة كل منهما بحليفه المسيحي في شكل جدي جداً يهدّد التحالف القائم بين هذه الاطراف. اذ ان «المستقبل» الذي يزمع المشاركة في الجلسة لتمرير المشاريع المالية والمصرفية لم يُوفّق في ايجاد طريقة يرضي عبرها حليفه حزب «القوات اللبنانية» الذي وجّه رئيسه الدكتور جعجع رسالة علنية الى الرئيس سعد الحريري أثارت على ما يبدو استياء مكتوماً لدى «المستقبل»، اذ ان جعجع غمز من قناة حفاظ الحريري الإبن على مبادئ الحريري الأب في المناصفة والتوازنات الوطنية. كما ان «حزب الله»الذي يؤيد بقوة موقف حليفه الرئيس بري في موضوع الجلسة واجَه هو الآخر ملامح سخط لدى العماد عون من عدم دعم الحزب له تكراراً في ملفٍ حيوي، الأمر الذي يضع علاقة الفريقيْن أمام اختبار شديد الوطأة على كلٍّ منهما.أما الشقّ الآخر من التداعيات، فذهب في اتجاه المقلب المسيحي حيث تصاعدت معالم توتر شديد بين الثنائي العوني و«القواتي» من جهة وبين سائر النواب والشخصيات المسيحيّة المستقلّة الأخرى. ولعلّ ما أشعل هذا التوتر ان جعجع قلّل في مؤتمره الصحافي أول من امس من الحجم التمثيلي للنواب المستقلين سواء في فريق 14 آذار او 8 آذار من خلال اعتباره ان الأحزاب الثلاثة تمثّل ما نسبته 85 في المئة من المسيحيين، نافياً عن النواب الآخرين الحجم التمثيلي الذي يجعلهم قادرين على توفير غطاء ميثاقي للجلسة. وبدا واضحا ان ردة فعل النواب المسيحيين في «المستقبل» والنواب المسيحيين الآخرين في قوى 14 آذار مثل الوزير بطرس حرب ورئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون وسواهما ستكون الإصرار على المشاركة في الجلسة التشريعية رداً على هذا الموقف.وعشية الجلسة، سادت مخاوف من الإطاحة بها في اللحظة الاخيرة نظراً الى تَصاعُد طابع الانقسام الطائفي بفعل تلويح الأحزاب المسيحية المعارِضة بالنزول الى الشارع يوم الجلسة احتجاجاً على ما يوصف بالإخلال بالميثاقية. علماً ان المخاوف لا تتصل بهذا التصعيد فقط، وانما أساساً بخطورة عدم إقرار مشاريع مالية مطلوبة من المجتمع الدولي في مجالات مكافحة الارهاب وتبييض الأموال والتهرب الضريبي عبر الحدود ضمن مهلة ضيّقة تنتهي في أواخر ديسمبر المقبل، وهو امر يعرّض لبنان لأفدح الأخطار جراء عزلة مالية دولية تحول دون انتقال الأموال وتحويلها اليه ومنه في حال مرور المهلة دون إقرار هذه المشاريع. وقد دفَع هذا الخطر الهيئات المالية والمصرفية اللبنانية الى القيام بجولة عاجلة على المعنيين والزعماء السياسيين ومنهم جعجع وعون لاطلاعهما على خطورة الوضع وحضهما على تمرير إقرار هذه المشاريع مهما كان الثمن.وخلال استقباله امس جمعية المصارف، جدد جعجع مناشدته الكتل السياسية ولاسيما الرئيس بري «ليأخذ في الاعتبار المواضيع المطروحة كافة حتى ننتهي منها في الجلسة التشريعية المحددة في 12 و13 الجاري»، مؤكداً ان «موضوع الميثاقية حساس جداً، وأي تلاعب بهذه الميثاقية يعني التلاعب باتفاق الطائف، وهذا أمر لا يمكن أن يحصل باعتبار أننا لا نملك بديلاً في الوقت الحاضر»، معوّلاً على «الدور التوفيقي الكبير لتيار المستقبل وللرئيس سعد الحريري».
خارجيات
الأحزاب المسيحية تلوّح بالنزول إلى الشارع
أزمة «خلط أوراق» تدهم لبنان
12:18 ص