بدأ العدّ العكسي لانعقاد جلسة تشريعية لمجلس النواب اللبناني يوميْ الخميس والجمعة المقبليْن يتخذ طابع حبْس أنفاس، وتَرقُّب في انتظار ما ستفضي اليه الأيام الثلاثة المقبلة من تطورات في ظل سخونةٍ سياسية تغلّف هذا الاستحقاق وترسم حوله علامات من القلق.ذلك ان فريقيْ «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون وحزب «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع المتحفظيْن على عقد الجلسة ما لم يُدرج في جدول أعمالها موضوع قانون الانتخابات النيابية، رفعا وتيرة تحركهما ومواقفهما المتشدّدة من هذا المطلب، تحت شعار نقاطع معاً الجلسة او نشارك فيها معاً، علماً انهما متموْضعان سياسياً على ضفتيْن متقابلتيْن (8 و 14 آذار)، وهو الامر الذي ترجمته زيارة جعجع لبكركي مساء اول من قبل ان ينضمّ اليه النائب ابرهيم كنعان موفداً من عون، حيث أبلغا الى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي هذا الموقف المشترك.ولمّحت أوساط مطلعة لـ «الراي» الى ان الزيارة جاءت عشية تكثيف الاتصالات والمساعي لحمْل الفريقيْن المسيحييْن الكبيريْن، اللذين يشكلان مع حزب «الكتائب» الثقل النيابي الأساسي للمسيحيين، على تمرير الجلسة التشريعية نظراً الى الخطورة القصوى التي ستترتّب على لبنان، في حال عدم إقرار مجلس النواب مجموعة مشاريع مالية ومصرفية، ذات صلة بتنظيمات دولية في مجال مكافحة الارهاب ومراقبة تبييض الأموال، وان الفرصة المتبقية أمام لبنان لإقرار هذه التشريعات هي منتصف ديسمبر المقبل، وإلا سيتعرض لبنان لتداعيات تصنيفه دولة غير متعاونة، مما يرتدّ عليه بأوخم العواقب على صعد عدة بينها التحويلات المالية منه واليه اضافة الى حركة التصدير والاستيراد.ويبدو وفق المصادر ان البطريرك الذي سبق ان أطلعته جمعية المصارف على ما قد يواجهه لبنان في حال تَخلُّفه عن إقرار هذه التشريعات، بدا وكأنه يوازن بين مراعاة مطالب الكتل المسيحية الوازنة وبين تأييد انعقاد الجلسة التشريعية على خلفية الواقع المالي، مع التشدد حيال اولوية انتخاب رئيس الجمهورية قبل أي إجراء آخر، وهو الأمر الذي يعكس رغبة الكنيسة في عدم القفز فوق موضوع ميثاقية الجلسة التي قد يقاطعها نواب الكتل المسيحية الثلاث.وقد نبّه الراعي في عظة الاحد «من خطر داهم على الاستقرار النقدي والمالي في لبنان وذلك بسبب تخلف مجلس النواب عن واجبه الأساسي بانتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي التسبب بتعطيل دوره في التشريع»، لافتاً الى ان البرلمان «يجد نفسه أمام أولويات وضرورات وطنية ينبغي أن يتمّ درسها وتحديدها والاتفاق عليها من جميع الأطراف السياسية من دون الوصول إلى تشنجات وتعقيدات تعطيلية وتفسيرات طائفية ومذهبية ومن دون فرْضها فرضاً»، ومعتبراً انه «في ظل الفراغ الرئاسي لا يمكن التشريع بشكل عادي، ولا الخلط بين الضروري الوطني وغير الضروري، وبالتالي لا يجوز انقسام المجلس وتعطيل كل شيء».وسأل الراعي: «لماذا مثلاً التردد بشأن البت في مشروعيْ قانون هما مطلبان وطنيان تصرّ عليهما كتل سياسية ونيابية مثل درس قانون جديد للانتخابات مطروح أصلاً في اتفاق الطائف، ومشروع اقتراح قانون معجل مكرر خاص بتحديد شروط استعادة الجنسية المقدم منذ 2001؟»، معتبراً أن «أولوية العمل في المجلس النيابي تبقى انتخاب رئيس للجمهورية، ونصلي كي يمس الله ضمائر المسؤولين السياسيين، فيتجردوا من مصالحهم الخاصة، ويتحرروا من المواقف التي تأسرهم، ويضعوا في أولويات اهتماماتهم حماية الجمهورية كي يسلم الجميع».وتبعاً لذلك، بدا امس ان الجهود لإقناع فريقيْ التيار العوني و«القوات اللبنانية» قد تكثفت بقوة فيما يُنتظر ان يدخل اليوم على خط هذه المساعي تيار «المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) من خلال اجتماع مقرر لنواب من كتلة «المستقبل» و«التيار الحر» و«القوات» للنظر في مخرج ممكن يجنّب الجلسة مقاطعة مسيحية وازنة ويضمن انعقادها وتمرير المشاريع الملحة في الوقت نفسه، وسط مفارقة ان الحلفاء المسلمين لـ «القوات» و«التيار» يؤيدون عقد الجلسة بمعزل عن قانون الانتخاب.وفي حين شكّل الإعلان عن مؤتمر صحافي لجعجع بعد ظهر اليوم يتناول فيه موقف «القوات» من الجلسة التشريعية عامل ضغط اضافياً على الحلفاء كما الخصوم، قالت المصادر المطلعة نفسها ان المساعي تتركّز على اتجاهيْن اثنيْن: الاول طرْح اقتراحات تتعلّق بما يمكن ان يشكل ترضية مبدئية لفريقيْ «التيار» و«القوات» في موضوع قانون الانتخابات النيابية، الذي يعرف الجميع ان لا اتفاق سياسياً حوله في ظل تَعدُّد المشاريع المطروحة للقوى والتحالفات السياسية وان طرْحه لن يفضي الى اي نتائج راهناً، ولكن ربما يجدي ايجاد مخرج من نوع إقرار سائر البنود المطروحة على جدول أعمال الجلسة، ومن ثم مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري الى طرح الملف الانتخابي على الهيئة العامة فتقرّر تجديد عمل لجنة نيابية كانت شُكلت في السابق مع التزام مهلة محددة للتوصل الى نتائج تُطرح على الهيئة العامة لاحقاً للتصويت على قانون نهائي. أما الاتجاه الاخر للمساعي فهو سيتناول نزع فتيل سجالات سياسية بدأت تتصاعد في اليوميْن الأخيريْن ويخشى ان تؤثر سلباً على الجهود الجارية لإيجاد مخرج للجلسة، ولا سيما بعد توجيه النائب وليد جنبلاط انتقادا حاداً الى الكتل المسيحية لموقفها من الجلسة معتبراً «اننا لن نسير معهم في هذا الانتحار»، وهو ما ردّ عليه جعجع بموقف حاد عبر «تويتر» اذ غرّد: «وليد جنبلاط كلّك لطف وعاطفة وذوق ومحبة.. ولكن من الحب ما قتل».وتوقّعت المصادر ان تتضح في الساعات الثماني والاربعين المقبلة نتائج هذه المساعي، علماً انها بدت شبه جازمة بأن الجلسة التشريعية محكومة بالانعقاد اياً تكن نتائج الاتصالات.
خارجيات
البطريرك الماروني غطّى موقف الكتل المسيحية من قانون الانتخاب
هل تؤدي الجلسة التشريعية في لبنان إلى تصدُّع بالتحالفات؟
10:51 م