فيما تخوض الحكومة اللبنانية «غمار» الفصل الأخير المفترض من فصول التعقيدات المتصلة بأزمة النفايات في شهرها الرابع، ترتسم مع التفاصيل التي تَتعاقب كل يوم عبر التحركات السياسية او الاحتجاجات المناطقية والشعبية صورة بالغة القتامة حيال مجمل الوضع الداخلي ولو ان الخطة تقف عند خط النهاية.ذلك انه منذ خمسة ايام تقريباً والفريق الحكومي برئاسة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام يخوض في مفاوضات ووساطات ولقاءات على مدى اليوم نهاراً ومساءً لاستكمال المخطط التنفيذي لخطة النفايات، وكلما ذُللت عقبة طرأت أخرى.ولعلّ ما فاقم هذا المنحى ان فريق الثنائي الشيعي «أمل» و«حزب الله» واجه هو الآخر عقبة عدم تمكّنه من اختيار مطمر للنفايات في مناطق نفوذه، لتُحدِث «التوازن» مع مطمر سرار الذي يقع في منطقة ذات غالبية سنية (عكار - الشمال)، اذ قرّر اولاً نقل مكان المطمر من البقاع الشمالي الى منطقة الكفور في النبطية في الجنوب فأثار ذلك احتجاجات قوية أهلية اضطرّته الى اختيار منطقة أخرى تسمى الكوستابرافا قرب خلدة على المدخل الجنوبي لبيروت، فكان ان أثارت احتجاجات واسعة اخرى قادها النائب طلال إرسلان الامر الذي اضطر الثنائي الشيعي الى ايفاد الوزير علي حسن خليل ومعاون الامين العام لحزب الله حسين الخليل الى إرسلان لمحاولة معالجة الاعتراضات. وستحدّد الساعات المقبلة وجهة نتائج الاتصالات بحيث يَتقرر على أساسها موعد جلسة مجلس الوزراء التي سيدعو اليها سلام لإقرار الخطة نهائياً مع التعديلات التي اُدخلت عليها لجهة توزيع المطامر في عدد من المناطق اللبنانية.وتكشف مصادر وزارية لـ «الراي» ان العامل المالي لعب دوراً بارزاً غير معلن في التعقيدات الأخيرة، فضلاً عن ارتفاع وتيرة العامل المذهبي والطائفي من خلال ما سُمي تهكماً «فيديرالية المطامر» التي باتت تحمل تسميات مذهبية فاقعة مثل المطمر «السني» في سرار او «الشيعي» في الجنوب او «الدرزي» في الناعمة (سيعاد فتحه لسبعة ايام فقط) والكوستابرافا او «المسيحي» في برج حمود (تجري محاولات لمعاودة فتحه من ضمن خطة تنموية ولو بعد أشهر).فخطة النفايات التي ستُقرّ معدَّلة، ستقترن بالإفراج عن أموال طائلة مجمّدة في الصندوق المستقلّ للبلديات، وقد وقّع رئيس الحكومة فعلاً المرسوم الخاص بهذه الأموال، الأمر الذي يُعتبر بمثابة حوافز تشجيعية للمناطق التي ستقام فيها المطامر لإخماد الاحتجاجات الأهلية على إنشائها، وهو ما أثار في المقابل مزيداً من الاعتراضات عكست ما يشبه حالة ابتزاز عامة تتعرّض لها الحكومة، ولا تملك إلا تلبيتها لإنجاز الموافقات السياسية والأهلية على الخطة.ومع ان المصادر الوزارية تؤكد ان ليس هناك خيار آخر امام الحكومة سوى المضي في إنجاز هذه الخطة بكل تكاليفها، فانها لا تخفي ان جانباً من تداعياتها سيكون سلبياً للغاية لجهة ترسيخ الانطباع بخضوع الحكومة لمنطق التقاسم المذهبي والابتزاز، كثمنٍ كبير للفشل الذي حال دون حل أزمة النفايات منذ أكثر من ثلاثة أشهر.وتلفت المصادر ايضاً الى ان الاستحقاق الآخر الذي دهم الحكومة وتمثّل في التأخير الذي حصل في دفع رواتب العسكريين زاد الطين بلّة اذ أثار حالة غضب واسعة في صفوف الجيش والقوى الأمنية، الامر الذي أرغم قائد الجيش العماد جان قهوجي على رفع صوته بالتحذير من مغبة تأخير إضافي لدفع الرواتب عبر جولته اول من امس الماضي على الرئيس سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، قبل ان يعلن: «لن نسكت، نريد صرف الرواتب في أسرع وقت»، مشيراً إلى وجود «غضب في صفوف العسكريين، وهناك مَن لم يقبضوا رواتبهم منذ عيد الأضحى أي منذ 45 يوماً»، ومشدداً على عدم جواز استمرار هذا الواقع المؤسف، ومضيفاً بحزم:«لا بد من دفع الرواتب، يوجد مليون باب للدفع. يسطفلو يدبروها بأي طريقة. ومن غير الممكن أن يحرموا العسكري من معاشه ونسكت».وتقول المصادر الوزارية لـ«الراي» ان الاتصالات التي تواصلت في الساعات الماضية توحي بإيجابيات لجهة تذليل آخر العقبات امام انعقاد مجلس الوزراء على الأرجح اليوم لأن الرئيس سلام يعتزم عقد الجلسة قبل جولة الحوار الوطني الجديدة المقررة ظهر غد الثلاثاء ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان مما يعرقل المسار الجاري في اللحظة الأخيرة.وفي حال انعقاد مجلس الوزراء سيشكل ذلك باب انفراج تُقر عبره خطة النفايات ويصدر قرار يغطي وزارة المال في دفع رواتب العسكريين وكذلك الموظفين في القطاع العام. وأوضحت المصادر ان القوى السياسية المنضوية ضمن الحكومة وافقت كلها على حضور الجلسة ولن يكون هناك مبدئياً مفاجآت للمضي في إقرار الخطة ودفع الرواتب، بعدما تَهيّب العماد ميشال عون على ما يبدو المضي في منطقه الذي كان يريد حصر جلسة الحكومة بالنفايات وعلى ان يصار الى بتّ أمر الرواتب على ما كان يحصل في زمن حكومات سابقة ولا سيما الرئيس فؤاد السنيورة اي من دون قرار من مجلس الوزراء.وتعتقد الأوساط نفسها ان تمرير هذا الاستحقاق الذي طال انتظاره سيترك تداعيات مرنة ايضاً على المساعي التي ستنشط هذا الاسبوع من اجل عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب ولكن يقتضي اولاً انتظار الساعات المقبلة لاختبار النيات والأفعال في الجلسة المرتقبة لمجلس الوزراء.