كانت بيروت يوم امس عيناً على فيينا ومحاولات تحديد مصير الرئيس بشار الأسد في أي حلّ سياسي للأزمة السورية، وعيناً أخرى على مصير النفايات الصلبة في لبنان التي أدخلت البلاد منذ نحو مئة يوم في كارثة بيئية غير مسبوقة.وإذا كان مستقبل الأسد في أيّ مرحلة انتقالية في سورية لن يكون إلا انعكاساً للاتجاهات الجديدة في المنطقة التي يبدو واضحاً ان «وجهها» قد تغيّر، فإن الحلّ الذي ارتسمت ملامحه لقضية النفايات في لبنان والذي كان موضع «روْتشة» لتفاصيله تمهيداً لعقد جلسة وشيكة لمجلس الوزراء لبتّه يؤسس في جانبٍ منه لطيّ صفحة «أزمة المئة يوم» التي غرقت خلالها مناطق عدة في بيروت وجبل لبنان بالقمامة، ويؤشر في جانب آخر، الى عدم رغبة قوى الثقل السياسي في البلاد، كما عواصم القرار الدولي وعواصم التأثير الاقليمي، في الإطاحة بآخر «خطوط الدفاع» أمام وقوع لبنان في فخ الفوضى «القاتلة»، التي ستكون «عكس سير» المناخ الرامي الى إطفاء «الحريق» السوري.وفيما انشغل لبنان باجتماع فيينا من زاوية مباشرة هذه المرة باعتبار أنه كان مشارِكاً في «طاولة الكبار» عبر وزير الخارجية جبران باسيل، فإن الأنظار شخصت على الموقف الذي سيعبّر عنه الأخير في المؤتمر، وسط تبلُّغ رئيس الحكومة تمام سلام مخاوف من أيّ انزلاق لباسيل نحو اتخاذ مواقف تصبّ في خانة حلفاء «التيار الوطني الحر» في لبنان، أي «حزب الله»، لجهة اشتراط ان يكون الأسد جزءاً من اي حلّ سياسي ورفْض اي تحديد زمني لبقائه ضمن المرحلة الانتقالية، او لما اذا كان يحقّ له الترشح لأيّ انتخابات في ختام هذه المرحلة ام لا. علماً ان دوائر سياسية استوقفتها «مفارقة» لطالما طبعت واقع لبنان ابان الوصاية السورية عليه اذ كان يحضر طاولة الكبار كـ «ملف» ويغيب كـ «لاعب»، وهو ما يحصل اليوم مع سورية التي لم يحضر اي من أطرافها المؤتمر الرامي الى ايجاد خريطة طريق لمسار سياسي للحرب فيها.وتتعاطى بيروت مع الملف السوري باعتباره مدخلاً لإخراج الواقع اللبناني من مأزقه المتمادي الذي يشكّل الفراغ في رئاسة الجمهورية المستمر منذ 25 مايو 2014 أبرز عناوينه، التي تفرّعت منها أزمات عدة ابرزها تعطيل عمل البرلمان وشلّ الحكومة، وسط اقتناع كامل بأن لا مجال لأي انفراج شامل في البلاد قبل بتّ الأزمة السورية وحتى اليمنية.ولكن بانتظار اتضاح خيوط المشهد الاقليمي، يتزايد الانطباع بأن ثمة قراراً مستمراً بتحييد لبنان ما أمكن عن «خطوط النار»، ما دام الاشتباك الكبير يدور في ساحات أخرى، في ظل اقتناع داخلي بأنّ لبنان سيستفيد ايجاباً من اي انفراج اقليمي، ولكن اي انفجار فيه لن يؤثر في موازين الصراعات في المنطقة الا من باب امكان استباق اي ترتيبات للملفات الساخنة لحجْز مواقع متقدمة على طاولة الحلول، وهو ما لا يبدو وشيكاً.وتعاطت أوساط مطّلعة بايجابية مع حلّ ربع الساعة الأخير في ملف النفايات الذي جنّب البلاد «كأس» استقالة رئيس الحكومة وانسحاب وزير الزارعة أكرم شهيّب من الملف، وهو ما كان يمكن ان يفضي الى نقل البلاد الى مستوى آخر من التأزم، رُسمت اولى خطوات تفاديه خلال جلسة حوار تيار «المستقبل» و«حزب الله» الاثنين الماضي ثم جولة الحوار الوطني في اليوم التالي.ورغم المناخ الايجابي الذي ساد مع المعلومات عن مشروع تسوية لملف النفايات على قاعدة استحداث مطمر في منطقة الكفور الجنوبية لمعالجة نفايات الضاحية الجنوبية مقابل مطمر سرار (عكار - الشمال) ومعاودة فتح مطمر الناعمة (جنوب بيروت) لمدة سبعة ايام لسحب النفايات المتراكمة في الشوارع، فإن حبْس الأنفاس استمرّ بانتظار بلورة نهائية للحلّ سيدعو على اساسها الرئيس سلام لجلسة للحكومة بمشاركة كل الأطراف.وبقيت الاتصالات أمس متمحورة حول حسْم أن يتقاسم مطمرا سرار (في منطقة ذات غابية سنية) والكفور (منطقة ذات غالبية شيعية) نفايات كسروان والمتن، بعد اعتراض القوى المسيحية الرئيسية على محاولات استحداث مطمر لهاتين المنطقتين ضمن نطاقهما، وذلك إلى أن تتمكن بلديات القضاءين من تحمّل مسؤولياتها في هذا المجال. علماً ان «المناخ» الطائفي والمذهبي الذي خيّم على مساعي حلّ أزمة النفايات عكس طبقة جديدة من التعقيدات التي سادت هذا الملف.وفي حين يُنتظر أن يساهم حل مشكلة النفايات في تمهيد الطريق امام إصدار مرسوم بنقل الاعتمادات المالية لمصلحة الجيش والقوى الأمنية الأخرى بما يسمح بتغطية الرواتب لهذا الشهر والشهر الذي يليه التي تأخر صرفها لنوفمبر،عُلم أن صعوبات تعترض طرح هذا البند على جلسة النفايات التي قد تُعقد الاثنين اذا لم يتسنّ عقدها اليوم، في ضوء ما قيل عن تمسُّك فريق العماد ميشال عون بحصْر الجلسة بملف القمامة. علماً ان هذا الأمر سيثير مخاوف من ربْط قضية الرواتب بمجمل موقف عون المعترض على عقد أي جلسة للحكومة (خارج ملف النفايات) قبل تعيين قائد جديد للجيش.