اتجهت أزمة النفايات التي يعانيها اللبنانيون منذ أكثر من ثلاثة أشهر نحو مخرجٍ وشيك يجري العمل على بلورة تفاصيله التنفيذية الأخيرة بين رئاسة الحكومة والقوى السياسية ويُنتظر ان يُقرّ في جلسة لمجلس الوزراء في موعد قريب جداً ما لم يطرأ ما يعوق مسار الحلّ.وجاءت الثغرة في جدار هذه الأزمة عقب بلوغ الوضع الداخلي سقفاً من التأزم طُرحت معه مجدداً احتمالات زعزعة الحكومة جدياً هذه المرّة، خصوصاً بعدما تبلّغ كثيرون معطيات عن اتجاه رئيس الحكومة تمام سلام الى واحد من خياريْن: إما الاعتكاف في دارته والامتناع عن الحضور الى السرايا الحكومية وتولّي مهماته الرسمية، وإما الاستقالة دفعة واحدة وقلْب الطاولة على الجميع. وبدا واضحاً ان الدور الإنقاذي مُنح بمعظمه الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اضطلع بحركة استثنائية بين سلام و«حزب الله» خلال اليوميْن الأخيريْن تجنّباً لبلوغ سقوفٍ تصعيدية للأزمة، خصوصاً ان وزير الزراعة أكرم شهيّب الذي وضع خطة معالجة أزمة النفايات ظلّ ممسكاً بورقة التلويح بكشْف كل الوقائع التي عطّلت تنفيذ الخطة والانسحاب من مهمّته في موعدٍ أقصاه ظهر أمس، الى ان لاحت ملامح المرونة ليل الأربعاء.وتمثّلت الثغرة التي فتحت باب الانفراج في الأزمة في نقطتيْن متلازمتيْن أولاهما تبلُّغ سلام من خلال بري موافقة «حزب الله» وحركة «أمل»، على اختيار مطمر للنفايات في منطقة البقاع الشمالي، وهو الامر المحوري في توزيع المطامر على قاعدة المساواة مناطقياً وايضاً مذهبياً، كما أخذت الامور مجراها باعتبار ان اعتماد مطمر في منطقة سرار في محافظة عكار احتُسب على السنّة، وكان لا بد من اعتماد مطمر في مناطق ذات صبغة شيعية في المقابل. وثانيهما اعتماد اللامركزية الشاملة في توزيع المطامر بحيث تكون لكل منطقة مطمرها وهو الامر الذي أَدخل المناطق المسيحية ايضاً في التوزيع.كما ان عاملاً جديداً طارئاً دخل على عناصر الدفْع نحو تسريع الحلّ، وتمثّل في عدم تحويل رواتب الأسلاك العسكرية والأمنية في موعدها الثابت في الـ 28 من كل شهر، لعدم امتلاك وزارة المال التشريع القانوني لدفع الرواتب، بعد انتهاء التفويض القانوني لها عن السنة الحالية وحاجتها الى غطاء قانوني جديد لنقل الاعتمادات المرصدة في احتياط الموازنة الى بند الرواتب.وتقول مصادر وزارية معنية ان هذا العامل لعب دوراً بارزاً في تمكين بري من الضغط نحو مساعدة رئيس الحكومة واقعياً على وضْع جميع القوى أمام مسؤولياتها، بدليل ان «الخط الساخن» المباشر بين سلام وبري مدعوميْن ايضاً من الزعيم الاشتراكي النائب وليد جنبلاط من خلال وزيريه أكرم شهيب ووائل ابو فاعور، بدا بمثابة المحرّك القوي لوضع لمسات الحلّ الذي يعتمد إنجاز الخطوط الأخيرة لخطة توزيع المطامر في المناطق، ومن ثم توجيه سلام الدعوة الى جلسة قريبة لمجلس الوزراء، يحضرها جميع الأفرقاء الممثلون في الحكومة لإقرار الخطة المعدَّلة واتخاذ قرارٍ يفرج عن رواتب موظفي القطاع العام لما تبقى من السنة الحالية. وسبق للعماد ميشال عون الذي يقاطع جلسات مجلس الوزراء بسبب الخلاف على آلية عمله واشتراطه إدراج موضوع تعيين قائد جديد للجيش كأولوية في أي جلسة، أن أرسل إبلاغاً الى رئيس الحكومة بموافقته على حضور وزرائه جلسة تخصص لأزمة النفايات حصراً.وفي خلاصة هذه المعطيات، وفيما كانت تجري امس المشاورات الأخيرة لوضع اللمسات النهائية للحل الموعود الذي يفترض ان يكون تبلور بحلول اليوم، قالت المصادر الوزارية المعنية لـ «الراي» ان ما جرى يؤكد وجود قرارٍ ثابت بمنْع انهيار الحكومة وان هذا القرار، وإن تأخر ظهوره، فإنه قائم بقوة، ولو عمدت قوى معروفة مثل «حزب الله» الى توظيف الوقت واللحظة المناسبة لإبرازه ربما لدوافع سياسية داخلية واقليمية تتجاوز في أبعادها أزمة النفايات في ذاتها.وتلفت المصادر الى ان الاندفاعة نحو تفريج أزمة النفايات جاءت غداة جولة الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، والتي اتسمت بإيجابية مفاجئة سواء على صعيد تأكيد التمسك بالحوار الجاري بينهما وتفعيل العمل الحكومي والنيابي، او دعم الخطة الامنية للبقاع الشمالي التي تَعرقل تنفيذها.وتضيف المصادر انه رغم الاجواء المشجعة التي لاحت في الساعات الأخيرة، فإن العبرة النهائية تبقى في انتظار التفاصيل التي من شأنها ان تحسم حقيقة النيات السياسية، وهو الأمر الذي سيكون محور متابعة في الساعات المقبلة.وكان شهيّب الذي زار امس الرئيس سلام وسلّمه تقريراً شاملاً عن مهمته منذ بدئها قبل نحو شهرين، اعلن بعد اللقاء ان ساعات أمس واليوم حاسمة، موضحاً انه «لا تزال هناك أمور عالقة نعمل على معالجتها على اساس الشراكة ويجب ان تنتهي سلبا ام ايجابا خلال الـ48 ساعة المقبلة»، ومعتبراً انه «كي ننجح، المطلوب من القوى السياسية أن تترجم الأقوال الى أفعال والتعاطي مع الملف بمسؤولية من خلال تأمين مستلزمات نجاحها عبر المطامر»، ومؤكداً ان «حزب الله» و«حركة أمل» قاما بواجبهما بشأن تأمين مطمر في البقاع.وبعدها انتقل وزير الزراعة للقاء كل من العماد ميشال عون ورئيس حزب «الكتائب» سامي الجميّل الذي اعلن شهيب انه قدّم عرضاً حول اقامة مطمر في كسروان، مشيراً الى أن«الطروحات ستنقل مساء (امس) الى رئيس الحكومة ونبحث بها شكل واضح». علماً ان وزير الكتائب آلان حكيم قال بعد زيارته سلام «اننا نصرّ على إجراء دراسة بيئية علمية خاصة على صعيد المياه الجوفية اذا كانت هناك نية لوجود مطامر في كسروان والمتن».
خارجيات
عدم تحويل رواتب العسكريين يسرّع الدفع لانعقاد جلسة للحكومة
أزمة النفايات اللبنانية نحو حلّ وشيك
09:01 م