لم ينكفئ المعطى الخارجي يوماً عن المشهد اللبناني المضبوطة «عقاربه» على الساعة الإقليمية ومسار ملفّاتها الساخنة التي تتحكّم بواقعه المأزوم ولا سيما الحرب السورية، ولكن هذا المعطى قفز الى الواجهة يوم امس مع الإعلان عن تَبلُّغ لبنان رسمياً عبر وزارة الخارجية دعوة للمشاركة بمؤتمر فيينا المخصص للبحث في الأزمة السورية والذي ينعقد غداً.وسيشكّل حضور مؤتمر فيينا مناسبة لأن يواكب لبنان «على الطاولة» المحاولات الجارية لترتيب حلّ سياسي للأزمة السورية التي تعنيه مباشرة سواء من ناحية التداعيات الأمنية لاستمرار الحرب والأهمّ لجهة ملف النازحين الذين يستضيف نحو 1.3 مليون منهم ومصيرهم في اي خريطة طريق لإخماد «الحريق» السوري.ووسط علامات استفهام طُرحت حول الموقف الذي سيحمله معه وزير الخارجية جبران باسيل ولا سيما حيال مصير الرئيس بشار الأسد ودوره في أيّ مرحلة انتقالية في ظلّ انقسام سياسي لبناني حيال هذه المسألة، جاء التطور المتمثل بدعوة لبنان الى لقاء فيينا الذي ستحضره ايران بناء على رغبة اميركية ليتقاسم المشهد الداخلي مع العناوين السياسية الضاغطة التي بدا انها عادت لتنضبط تحت سقف ستاتيكو الانتظار «على البارد» وتفادي القيام بأيّ خطوات غير محسوبة في لحظة المساعي الاقليمية - الدولية لاستكشاف امكانات الحلول في المنطقة.وفي ضوء جولة الحوار الثنائي التي انعقدت ليل اول من امس بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، رغم كل «الصراخ» الذي سبقها والذي أدخل علاقتهما دائرة «التوتر العالي»، بدا ان اللعبة الداخلية ستبقى في المدى المنظور تدور ضمن الهوامش المتاحة وبما يُبقي الساحة اللبنانية عنواناً لـ «المهادنة» وجسر ربْط نزاع بين ايران والسعودية الراغبتيْن في الحفاظ على «خيْط تواصُل» غير مباشر، في غمرة «خطوط النار» التي يتواجهان خلفها ولا سيما في اليمن وسورية، وسط انطباع متجدّد بأن طهران والرياض تدركان ان «حلبة الصراع» الاستراتيجي صارت أكبر بكثير من لبنان الذي لا يشكّل الا «ملعباً خلفياً» لا يسمح اللعب بوضعه بتغيير موازين القوى في ساحات الاشتباك «اللاهب».ومن هنا جدّد حوار «المستقبل» - «حزب الله» بوليصة التأمين للواقع اللبناني من خلال تأكيد المجتمعين «إصرارهم على التمسك بالحوار واستكماله»، والتشديد على «تهيئة الأجواء لتفعيل عمل المؤسسات الدستورية حكومةً ومجلساً نيابياً لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والحياتية، وعلى تعزيز الأمن في كل المناطق اللبنانية واستكمال الإجراءات المتفق عليها في هذا الشأن»، وسط معلومات عن رفض الحاضرين اي استقالة لرئيس الحكومة تمام سلام او اعتكافه.ولكن بالرغم من أهمية نجاح الجانبيْن في إعادة تطبيع العلاقة بينهما من خلال «العتاب» المتبادل الذي ساد بداية الحوار الذي حضره وزير الداخلية نهاد المشنوق وذلك على خلفية تلويح الأخير بالانسحاب من الحوار والحكومة وردّ السيّد حسن نصر الله بشعار «مع السلامة»، فان شكوكاً كبيرة سادت حيال إمكان ان يؤمّن ما خرجت به جولة الثلاثاء الحوارية انفراجاً شاملاً على مستوى الحكومة العالق عملها عملياً عند إصرار حليف «حزب الله» العماد ميشال عون على رفْض عقد اي جلسات (خارج ملف النفايات) قبل تعيين قائد جديد للجيش يختاره هو وذلك رداً على تطيير التسوية التي كان من شأنها إبقاء صهره العميد شامل روكز في الجيش قبل إحالته على التقاعد.وترى أوساط سياسية بهذا المعنى ان «حزب الله» الذي لا يُستبعد ان يختبئ مرة جديدة في ملف الحكومة وراء عون كما يفعل في قضية الانتخابات الرئاسية، صار أمام امتحان ترجمة الوعود التي أطلقها خلال حوار اول من امس حيال تذليل العقبات التي لا تزال تحول دون إيجاد مطمر في البقاع الشمالي (منطقة نفوذ حزب الله) بحلول اليوم تمهيداً لتنفيذ خطة الحكومة لمعالجة أزمة النفايات (تشمل ايضاً اقامة مطمر في سرار - عكار)، وذلك تحت ضغط وزير الزراعة أكرم شهيّب الذي لوّح بالانسحاب من هذا الملف في «خميس حسم الموقف»، وهو ما يعني إعادة هذه الأزمة الى المربع الاول والى البحث عن خيارات قديمة - جديدة مثل «تصدير القمامة».وشهد يوم امس سلسلة اتصالات ولقاءات كان محورها رئيس البرلمان نبيه بري في محاولة لاستباق قرار شهيب اليوم والاستفادة من مناخ حوار «المستقبل» - «حزب الله» الذي تقاطعت المعلومات عند انه تخللته جدية وكلام «بلا قفازات» وعبّر خلاله الطرفان عن قناعة بوجوب حل القضايا الحياتية والأمنية العالقة وتسهيل تنفيذ الخطة الأمنية في البقاع.وفيما عُلم انه حتى اولى ساعات بعد الظهر لم يكن تبلور مخرج فيما خص مطمر البقاع الشمالي، لم تستبعد دوائر سياسية امكان ان يكون نفض شهيّب يده من الملف بحال حصوله، في سياق «بدَل عن ضائع» عنوانه استقالة رئيس الحكومة تمام سلام الذي لن يبادر كما كان اشيع الى اي استقالة يعتبر انها لن تؤدي في هذه المرحلة الا الى مزيد من تعريض لبنان لمخاطر هائلة تنذر بتهديد كيانه.وقد نُقل عن بري تأكيده في «لقاء الاربعاء» أهمية استمرار «الحوار الجامع الذي يجري بمشاركة الكتل النيابية أو على مستوى الحوار بين حزب الله والمستقبل بمشاركة أمل»، مشيراً الى أن «جلسة الثلاثاء جرت بأجواء ايجابية وصريحة ومثمرة»، مشدداً في ما خص ملف النفايات على «ضرورة معالجة هذا الملف بشكل نهائي وحاسم، لأن الحل بات ضرورة وطنية لا تتحمل التأخير بأي شكل من الإشكال».
خارجيات
ما سيكون موقفه في فيينا حول مصير الأسد وسط انقسام حاد بين قواه السياسية؟
لبنان «يرمّم»... ستاتيكو الانتظار
09:00 م