تراثنا الشعري- سواء الكويتي أو الخليجي أو العربي- مليء بالأسماء اللامعة، تلك التي كان لها الأثر الكبير في المنظومة الشعرية بكل أشكالها، ومن خلال اهتماماتي الأكاديمية سأكون حريصا بين فينة وأخرى على اقتناص الفرصة للحديث عن بعض هؤلاء النوابغ، الذين أسهموا بشكل أو بآخر في نهضة الشعر العربي سواء على مستوى الفصحى أو العامية «النبطية أو الشعبية»، ولقد ألقيت الضوء خلال مقالات سابقة لي على القليل منها.وفي هذه المساحة المتاحة سيكون لي وقفة مع الشاعر السعودي حمد بن عبد الرحمن المغيولي- رحمه الله- وهو بالمناسبة يكتب الشعر الشعبي بنكهة خاصة، ومذاق أدبي لذيذ، هذا الشاعر ولد في مدينة عنيزة في المملكة العربية السعودية، وهي مدينة تتميز بكثرة الشعراء فيها، مما كان له الأثر العظيم في نشأته ونبوغه في الشعر الشعبي، وتمكنه من استحداث صور جمالية لم تكن مطروقة في عصره. وكان المغيولي- بفضل فطنته الشعرية- من البارعين في فن المحاورة، وهي من أغراض الشعر الشعبي، ولها جمهورها العريض في الخليج، وكانت سائدة ومزدهرة في عصره، وشاركه محاوراته كبار شعراء عصره مثل علي ابو ماجد وعلي القري وعبد العزيز البادي ومحمد بن ثعلي واحمد الناصر وشليويح المطيري وعبدالله العليوي وغيرهم، ولظروف عمله انتقل من عنيزة إلى الرياض ثم استقر في تبوك التي توفي فيها... كما عمل في مهن ووظائف عديدة مثل حفر الآبار والأعمال الحرة. ورغم أهمية هذا الشاعر إلا أننا لم نجد له ديوانا يضم كافة قصائده المتناثرة، في ما تضمن ديوان شعراء عنيزة بعضا من قصائده، ونظرا للأهمية التي تتمتع بها أشعاره، فإن وجود ديوان يحتوي كل قصائده، سيسهل على الدارسين والباحثين تعقب تجربته الشعرية التي أراها فريدة من نوعها، ومن ثم التنقيب عن كنوزها اللغوية والبلاغية.ولنتأمل ما يقول شاعرنا رحمه الله:أودعك يا بدر ٍ ظهر لـه زمـان وغـابأودعك يوم أبعدت نـورك عـن الديـرهأودعك يا بدر ٍ سرى والهـوى ماطـابعليـه العيـون الدمـع جـرح معابيـرهأودعك لأجل الحب مـع نـورك الجـذابهويتـه وحبيتـه ولا شاقنـي غـيـرهوداعتك روحي يوم جابـه لـك الجـلابجلبهـا الغـلا والحـب هـذي تدابيـرهترى البعد ما يمحى غلا من رماني وصابرمانـي بسهـمٍ قـاتـلٍ يالله الخـيـرهألا يا عيوني والله إنـك مـن الأسبـابكسبتن لقلبي جاهـل ٍ ما أحسـن السيـرهضربني ودم القلب ينزف من المضـرابوذا مكسبي زودٍ علـى الدار والديـرهتصبرت لين الصبـر بيـح خفـاي وذابعليكم من الله راعـوا الحـق والجيـرهقضى العمر منكم ما حصلي فرح وإعجابولا صاحلي غير التعـب منـك ياميـرهأميرة جمال الحسن تخضع لـك الأرقـابعذاب العيـون الهايمـه حـد أزاريـرهألا يا هلي حطوا لقلبـي حجـا وكتـابإلى صار شف النفس شره طمس خيـرهوفي هذه القصيدة يتحدى الشاعر قدراته في امتلاك ناصية الكلمة، والإتيان بصور مبهرة وشيقة.ونظرا لجمال قصائده فقد كان لبعضها نصيب التلحين والغناء بأصوات مطربين كبار.وتتجه لغة شاعرنا رحمه الله إلى مستويات فنية عديدة، لم يكن فيها التقليد سائدا، بل انه حرص على أن تبدو أفكاره جديدة، وفي بعض الأحيان مستحدثة من بيئته، لذلك بقيت قصائده في ذاكرة التاريخ من خلال الرواة، ومحبي الشعر الشعبي.هذه إضاءات بسيطة أردت أن أشارك معي فيها القراء الكرام، كي يتعرفوا معي على شاعر أحببت فيه لغته الشعرية التي تتميز بالسهل الممتنع، والمقدرة على التجديد في قصيدة الشعر الشعبي.* كاتب وأكاديمي في جامعة الكويتalsowaifan@yahoo.com