ازدادت الصورة تعقيداً في لبنان على كل مسارات الأزمات الحكومية والنيابية والحوارات المفتوحة بلا أيّ نتائج عملية، الأمر الذي يعمّم توقعات سلبيّة حول طبيعة مضي البلاد وسط «حقل أزمات» بات يحاصرها من كل الاتجاهات.واذ تتركّز الهموم الأساسية هذه الأيام على أزمة النفايات التي باتت تنذر بكارثة حقيقية شديدة الخطورة مع بداية موسم الأمطار الغزيرة، فان المعطيات التي تحوط موقع الحكومة حيال هذه الأزمة تنذر بمزيد من التعقيدات التي تثير الخشية من شيء أكبر من أزمة النفايات باتت ملامحه تبرز تباعاً.وفي هذا السياق تقول مصادر وزارية مؤيّدة بقوة لتنفيذ خطة وزير الزراعة أكرم شهيّب التي اقترنت بموافقة مجلس الوزراء قبل زهاء شهرين انها صارت على اقتناع بأن أزمة النفايات تحوّلت الوسيلة المباشرة الأشدّ ضغطاً على مجمل الواقع الداخلي لمنْع اي انفراج من شأنه ان يريح الحكومة ويعيدها الى التعامل مع الأزمات الاخرى بشكل طبيعي، ما يعني ان ثمة أهدافاً مبيّتة وراء تعقيد تنفيذ خطة وزير الزراعة حالت وتحول دون تنفيذها.ولفتت المصادر عبر «الراي» الى ان رئيس الحكومة تمام سلام كان يدرك تماماً معنى ما قصده في مخاطبة أقطاب الحوار النيابي في جولته السادسة اول من امس حين شدّد أمامهم على رفضه دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد للبحث في أزمة النفايات ما لم يحضر جميع مكونات الحكومة بلا استثناء، ملمحاً بذلك الى انه سيرفض حشره في الزاوية تكراراً منفرداً، ولن يقبل إلا بتحمُّل جميع القوى السياسية والحزبية مسؤولية إنهاء أزمة النفايات وإلا فانه ليس مستعداً للوقوع في مطبات جديدة.وتشير المصادر نفسها الى ان سلام الذي لن يُقْدِم على الاستقالة كما تَردّد في الأيام الاخيرة رمى مجدداً كرة المسؤولية عند القوى السياسية جميعاً حين أعلن انه لا بد من إقامة مطامر صحية للنفايات في كل المناطق (بينها كسروان والمتن) وليس في مناطق محددة (البقاع الشمالي وعكار)، وهو الأمر الذي سيضع الجميع امام تبعة خيارين: إما تسهيل خطة شهيّب مرحلياً للتخلص من الأزمة والشروع لمراحلها البعيدة المدى، وإما الاستعداد لإقامة مطامر في مناطق كل من هذه القوى وتحمّل المسؤوليات مباشرة عن مناطقهم.وتبعاً لذلك تقول المصادر ان سلام الذي أُخذ عليه انه يكرر استعمال ورقة التلويح بالاستقالة ثم التراجع عنها، يبدو هذه المرة كأنه اتجه الى أسلوب آخر هو حشْر القوى السياسية نفسها، ولو ان الأمر لا يبدو مضموناً ويحتاج الى انتظار بضعة ايام لتبين ما سيحصل، وخصوصاً في ظل اتجاه الوزير شهيب الى اتخاذ موقف حاسم بعد غد قد يترك انعكاسات متوترة إضافية على مجمل الوضع ولا سيما اذا اعلن الانسحاب من هذا الملف الذي كان أوكل اليه مع «كفّ يد» وزير البيئة محمد المشنوق نتيجة ضغط مجموعات الحِراك الدني. مع العلم انه بدأت في الساعات الأخيرة مساع مع شهيب والنائب وليد جنبلاط للحؤول دون تخلي الأول عن مهمّته في مقابل البحث عن مخارج للأزمة ربما تتبيّن معالمها في الساعات المقبلة.غير ان دائرة التأزيم لا تقتصر على ملف النفايات بل ان خريطة المواقف السياسية من موضوع عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب يسعى رئيس البرلمان نبيه بري الى عقدها بقوّة، تنذر بدورها بتعقيدات أكبر ولو ان الاتصالات والمساعي التي تَسارعت أمس أوحت بإمكان التوصل الى تسويةٍ ما.ذلك ان هيئة مكتب مجلس النواب اجتمعت امس للتوافق على جدول أعمال الجلسة التشريعية وسط الشروط التي تضعها الكتل المسيحية الثلاث الأساسية اي «التيار الوطني الحر» (العماد ميشال عون) و«القوات اللبنانية» و«الكتائب». وبدا ان التركيز على كتلتيْ «التيار الحر» والقوات اللتين تشترطان إدراج مشروعيْ قانون الانتخابات واستعادة الجنسية في جدول الأعمال للموافقة على تشريع الضرورة، في حين ان «الكتائب» لا توافق اطلاقاً على مبدأ تشريع الضرورة قبل انتخاب رئيس الجمهورية.وفي حين لفت امس توقيع كتلتيْ «القوات» وعون اقتراح قانون معجلاً مكرراً يرمي الى استعادة جنسية المتحدرين من أصل لبناني ما يعني ان هذا البند سيُدرج على جدول أعمال اول جلسة تشريعية للتصويت اولاً على الاستعجال فيه، فان النقطة الثانية التي ما تزال عالقة تتصل بقانون الانتخاب ووجود العديد من الاقتراحات المتعلقة في شأنه، وسط معلومات عن ان الاجتماعات التي عُقدت بين الرئيس بري والعماد عون ومن ثم بين معاونيهما فتحت باب الأخذ والردّ للتوصل الى تسوية ولكنها لم تكفل التسوية نهائياً بعد، الأمر الذي يبقي الامر مفتوحاً على اتصالات الايام المقبلة.وتشير أوساط مطلعة في هذا السياق، الى ان العماد عون الذي نال غطاء الرئيس بري في تعطيل عمل الحكومة على خلفية عدم تأجيل تسريح صهره العميد شامل روكز من الجيش ثم رفعه شعار لا جلسات وزارية قبل تعيين قائد جديد للجيش يختاره هو (اي عون)، يبدو محرجاً في زاوية اضطراره للسير بـ «مقايضة» في هذا الإطار، فيردّ التحية لبري من خلال الإفراج عن عمل البرلمان ولو تحت سقف تشريع الضرورة ومع إمكان تَجاوُز الاصرار على إدراج بند قانون الانتخاب الذي تصرّ «القوات» على ان يكون بنداً اول للإقرار. علماً ان رئيس البرلمان كما «حزب الله» يتعاطيان مع قانون الانتخاب باعتباره جزءاً من سلّة متكاملة تشمل الانتخابات الرئاسية على طريقة ما جرى في 2008 خلال المفاوضات لإنجاز اتفاق الدوحة.