عندما يقف الإنسان مع نفسه متفكراً في ما مضى من عمره وفي ما طواه من صفحات زمانه فإنه يشعر بأن العمر ينقضي سريعاً والأيام تطوي صفحاتها أسرع من البرق!!عندما أُقلب صفحات دليل الهاتف الذي احتفظت به منذ سنوات، أمر على أسماء كثيرة لأصدقاء وأقرباء وزملاء كانوا يملأون حياتي، ثم هم اليوم تحت التراب وقد سبقوني إلى لقاء ربهم، ثم أتذكر أيامي معهم وذكرياتنا الجميلة، وكل منهم قد كان له آمال طويلة في الحياة وطموحات، لكن الموت لم يمهلهم وباغتهم من حيث لا يشعرون!!تذكرت والدتي - رحمها الله - والتي كانت تتصرف وكأنما خلقها الله تعالى لخدمتي وإخواني ولرعايتنا، ولا تكاد تفكر بنفسها أو مصالحها! فتعجبت كيف ينذر الإنسان نفسه من أجل خدمة ومصلحة الآخرين! وتذكرت بأن هذه رحمة من مئة رحمة أنزلها الله تعالى في قلوب عباده، ولولا التراحم بين الناس لهلكوا جميعاً!!عندما أفكر في أسماء المئات من الأصدقاء والأصحاب الذين توثقت علاقتي بهم إلى درجة غير مسبوقة، وكانوا ملء السمع والبصر، لا أقوم إلا معهم ولا أجلس إلا معهم، ثم تمدد الزمان وافترقنا، فلم يعد لي بهم أي اتصال أو علاقة وكأننا لم نلتق من قبل!! فأقول لنفسي: ما فائدة الصداقة والمحبة التي لا تصمد إلى نهاية العمر؟!لقد كنا نعيش أيام الدراسة في الخارج في مجتمع مثالي ولا نفكر أبداً بمفارقة بعضنا البعض، ولكننا انشغلنا بعدها بأمور فرّقتنا حتى وإن كانت الذكريات الجميلة لم تفارقنا!!عندما أفكر بزملاء العمل الذين قضيت بينهم أجمل أيام العمر، وتعاونا في إنجاز الكثير من طموحاتنا وآمالنا، ثم ها نحن قد افترقنا، وبالكاد يذكر بعضنا بعضا!!لقد منّ الله تعالى عليّ برفقاء أفضل من الدر المكنون، وأطهر قلوباً من كثير من البشر، وتعاونا معاً في أعمال البر والخير وعمل الصالحات، ولكننا تفرقنا في دروب الحياة فمنهم من انشغل بالتجارة ومنهم من انشغل بالوظيفة، ومنهم من اعتزل الحياة وتفرغ لنفسه، ومنهم من تأثر بالهجوم المتكرر على الملتزمين والمتدينين فهرب من واقعه وآثر الدنيا!!عندما يتخطى الإنسان عمر الستين فإنه يشعر بأن فصول الحياة تتعاقب عليه وهو واقف مكانه، ويشعر بأن الأجيال الحديثة التي تملأ البلد والدنيا أجدر بأن تحتل الشواغر ليس في الوظيفة فقط، ولكن في جميع مظاهر الحياة، ويسمع منادياً يناديه بأنك قد استكملت دورك في الحياة ولابد لك من التفرغ للآخرة وحث السير إليها وتقليل تعلقك بالدنيا!!لقد تأملت بالنعم الكثيرة التي أنعمها الله تعالي عليَّ - والتي لا أستطيع إحصاءها - فلم أجد أحسن من زوجة صالحة تملأ على الإنسان دنياه وتعينه في مسيرة الحياة الصعبة والشاقة وتعينه على نوائب الدهر، لا سيما إذا رزقه الله تعالى منها البنين والأحفاد، فلله الحمد والمنة.لا توحش النفس بخوف الظنونواغنم من الحاضر أمن اليقينفقد تساوى في الثرى راحلغدا وماضٍ من ألوف السنين(رباعيات الخيام)