تراجع الواقع اللبناني البالغ التأزُّم «خطوة الى الوراء» مع المواجهة السياسية التي انفجرت على خط «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري و«حزب الله» وطالت شظاياها الموقف من حكومة «ربْط النزاع» التي تجمعهما ومصير الحوار، الذي سجّل 19 جلسة على مدى نحو عام بينهما كقوتين محوريتين في الصراع الداخلي وامتداده الإقليمي.ورغم ان الأنظار تتّجه الى دور «الإطفائي» الذي غالباً ما يلعبه رئيس البرلمان نبيه بري، ومساعيه لاحتواء العاصفة السياسية التي هبّت بعد تلويح وزير الداخلية نهاد المشنوق بـ «الاستقالة» من الحكومة والحوار والردّ اللاذع للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فان الدوائر المراقبة في بيروت انشغلت بالتحري عن خلفيات هذه الموجة من التصعيد وتداعياتها.أوساط واسعة الاطلاع في بيروت بدت اكثر ميلاً الى عدم تحميل النبرة العالية للمشنوق أكثر من حاجته الى «كلام تعبوي» في الذكرى الثالثة لاغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الامن اللواء وسام الحسن، وهي قالت لـ «الراي» ان اندفاعة المشنوق لا تعكس قراراً من «المستقبل» بقلب الطاولة عبر إسقاط الحكومة وتَحمُّل وزر حرق المراكب مع «حزب الله»، في لحظة لبنانية بالغة الحراجة نتيجة التعطيل المتمادي لانتخاب رئيس للجمهورية.وتحدثت هذه الاوساط عن انه رغم إدراك «المستقبل» خطورة استمرار «حزب الله» في احتجاز الرئاسة الاولى والحكومة وتعليق آليات عمل السلطة في انتظار المقايضات الإقليمية الكبرى، فانه يدرك في الوقت عينه ان انفراط عقد الحكومة يشكل قفزاً في المجهول.غير ان اوساطاً بارزة في قوى «8 آذار» اشتمّت رائحة محاولة ابتزاز سعى اليها «تيار المستقبل» لاعتقاده ان «حزب الله» الذي ضاعف اخيراً من مستوى انخراطه في الحرب السورية، يحتاج الى «حماية ظهره» عبر مظلتين في الداخل اللبناني، هما الحكومة والحوار مع «المستقبل»، وتالياً فانه أراد هزّهما في اطار الضغط على خيارات الحزب في الداخل وفي سورية.وقالت هذه الاوساط لـ «الراي» ان «هجوم»المستقبل«هدفه»فرض اجندة جديدة على حزب الله، مستبعدة«اي صلة للمملكة العربية السعودية في هذا التوجه الذي ربما يكون صيغ بتفاهم بين الرئيس سعد الحريري وفؤاد السنيورة لدفع الحزب الى اعادة النظر بسياسته في لبنان».وكشفت الاوساط البارزة في«8 آذار»عن ان«حزب الله الذي يعتبر دوره المحوري في سورية بمثابة خط احمر، لم يعد يقيم وزناً ان بقيت الحكومة او سقطت، استمرّ الحوار او توقف«لافتة الى ان»المسألة الوحيدة التي تعني الحزب الان هي تقدم قواته على اكثر من جبهة في سورية تحت غطاء المظلة الجوية التي يشكلها الطيران الروسي.واعتبرت الأوساط عينها ان «حزب الله مرتاح إلى وضعه وغير مهتم بالداخل اللبناني الا من زاوية دعم خيارات حليفه (زعيم التيار الوطني الحر) العماد ميشال عون»، مشيرة الى ان «الاوضاع في سورية والعراق وحتى في اليمن تصبّ في مصلحة الحزب الذي يقاتل حالياً على خمس جبهات دفعة واحدة في سورية».وتولي الدوائر المراقبة في بيروت اهمية للمساعي التي بدأها بري الذي تلقى اتصال تهنئة من الرئيس الحريري لانتخابه رئيساً للبرلمان العربي، بدءاً من الدورة التي تبدأ في مارس المقبل، ولما تردّد عن ان مصر تهيء الاجواء للاطلاع بدور وساطة بين أطراف الصراع في لبنان.وفي سياق متصل، تتقاطع المعلومات عند حِراك ديبلوماسي دولي بدأ يبرز لاحتواء مظاهر تفلُّت الواقع اللبناني من ضوابطه والتي تشكّل الحكومة«صمام الامان»فيها وفق ما كانت خلصت اليه مداولات مجموعة الدعم الدولية للبنان التي عقدت اجتماعاً في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للامم المتحدة قبل نحو ثلاثة اسابيع، مع التركيز على اهمية وجود مؤسسة دستورية عامِلة في لبنان للتعاطي مع ملف النازحين السوريين وملاقاة الجهود الدولية لإبطال مفاعيله«التهديدية» التي بلغت اوروبا.