شكّلت عودة رئيس الحكومة تمام سلام الى بيروت أمس، بعد مشاركته في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة والاجتماع الخامس لمجموعة الدعم الدولية للبنان، عامل تحفيز للمساعي المستمرة في بيروت، لاجتراح حلول لملف الترقيات العسكرية، الذي بات مساره متداخلاً مع مصير الحكومة والحوار، فإذا وُجدت صيغة لإبقاء صهر زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، العميد شامل روكز في الجيش بعد موعد إحالته على التقاعد في 15 الجاري، يكون لبنان جدّد «بوليصة التأمين» لـ «ستاتيكو» الاستقرار الراهن، وإلا فستكون البلاد على مشارف مرحلة تَأزُّم كبير، في توقيت بالغ الخطورة، في غمرة التحولات الإستراتيجية في سورية.وتُعتبر الأيام الفاصلة عن الثلاثاء المقبل، موعد «ثلاثية الحوار» التي دعا اليها رئيس البرلمان نبيه بري في 6 و 7 و 8 الجاري، لاستكمال البحث في بنود جدول أعمال الطاولة، بدءاً من ملف رئاسة الجمورية، فسحةً لمحاولة إنقاذ التسوية التي يجري العمل عليها مع عون، وسط عنصريْن ضاغطيْن باتا يحكمان التعاطي مع هذا الملف الشائك وهما:* أولاً موعد 11 اكتوبر الذي حدّده عون لتظاهرة كبيرة دعا إليها مناصريه أمام القصر الجمهوري في بعبدا ويريدها مناسبة لتكريس الفصل بين مساريْ إبقاء روكز في المؤسسة العسكرية، بما يحفظ حظوظه بتولّي قيادة الجيش لاحقاً، والمعركة الأمّ التي يخوضها في حلَبة رئاسة الجمهورية. وقد أعطى عون في اليومين الماضييْن إشارات واضحة إلى أنه ليس في وارد تقديم أي تنازلات في قضية روكز يمكن أن تؤثر في عملية الإطباق السياسي التي يقوم بها لتدعيم أوراقه الرئاسية، سواء داخل الحكومة حيث يتمسّك بآلية لاتخاذ القرارات فيها تراوح بين الإجماع والتصويت الذي لا يمكن أن يقفز فوق اعتراض مكونين رئيسييْن، او في ما خص عمل البرلمان الذي يربطه بتشريع الضرورة، أو الحوار الذي يحاول من خلاله مع حلفائه في «8 آذار» انتزاع تفاهم حول قانون الانتخاب يعزّز مقاربته الداعية الى انتخابات نيابية تمهّد للرئاسية.* وثانياً وجوب تفعيل عمل الحكومة وإخراجها من دائرة الشلل لملاقاة الدعم الذي تبلّغ سلام خلال وجوده في نيويورك من الدول الكبرى ان لبنان سيتلقّاه سواء لتعزيز دور الجيش في مكافحة الإرهاب وحماية الاستقرار الأمني او لتحمُّل أعباء المهجّرين السوريين الذين باتوا يناهزون ثلث عدد سكان «بلاد الأرز».وما يجعل إعادة إطلاق عجلة المؤسسات الدستورية أمراً ضرورياً هو ان المجتمع الدولي، الذي كرّر دعم حكومة سلام والاستقرار في لبنان وصولاً الى اعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «لا يمكن السماح للفوضى بأن تعمّ لبنان»، أعطى ما هو أبعد من الإشارات الى ان أزمة الانتخابات الرئاسية غير موضوعة على لائحة الاهتمامات الدولية في الوقت الراهن، وان عيون العالم اليوم هي على الملف السوري وما سيفضي اليه انتقاله الى مستوى اللاعبين الكبار، وان عواصم القرار ليست في وارد إلا التعاطي مع تشظيات الأزمة السورية لبنانياً، لا سيما في قضية المهجّرين، مع إحالة الملف الرئاسي على الإرادة اللبنانية.وكان الأبرز على هذا الصعيد، في موازاة تأكيد غالبية المشاركين في اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان ضرورة منع انتقال الكارثة الاقليمية الى لبنان وإنجاز الاستحقاق الرئاسي، مع الإشادة الكبيرة باستقبال لبنان للمهجّرين، تشديد وزير الخارجية الاميركي جون كيري في الكلمة التي ألقاها باسمه توماس شانون ان بلاده «تريد لبنان أن يكون مستقراً وآمناً وذا سيادة وحراً من التشابكات الخارجية»، معتبراً ان «من الواضح أن لبنان يحتاج الى مساعدة شركائه الدوليين لمواجهة التحديات»، ومشيراً الى ان «على لبنان أن يستجمع الإرادة الداخلية لجعْل نظامه السياسي يعمل وفق الدستور واحتياجات الشعب اللبناني»، ومعلناً: «الآن هو الوقت المناسب للبنان من أجل التمسّك بمبادئه الديموقراطية، وانتخاب رئيس، وإجراء انتخابات برلمانية».وكان سلام، الذي يُستبعد ان يدعو الى جلسة حكومية قبل جلسات الحوار المقبلة، تناول في الاجتماع أزمة الفراغ الرئاسي من منطلق دعوته جميع «القادرين على التأثير الإيجابي للدفع في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية بطريقة ديموقراطية»، مشدداً على ان «الاوان آن للتحدث الى الاصدقاء والخصوم لفصل الانتخابات الرئاسية عن كل القضايا الاخرى العالقة في المنطقة».وبعدها أطلّ سلام على منبر الأمم المتحدة حاملاً صورة الطفل السوري إيلان الذي غرق مع مجموعة مهاجرين كانوا في طريقهم من تركيا الى اليونان، معلناً «هذا إيلان الذي شاهده العالم في مطلع الشهر مستغرقاً في نومه الأبدي بعدما لفظه البحر. إنه يختصر ما آلت إليه الحقوق الأساسية للبشر في منطقتنا»، ولافتاً الى انه «آن الأوان كي يستنفر العالم قواه وينصرف إلى معالجة قضية المهجّرين بجدية، بدلاً من التجاهل والهرب من المسؤولية»، ومعتبراً انّ «حمايةَ الكيان اللبناني تستدعي من الأشقاء والاصدقاء إبعاد لبنان عن الاستقطاب الاقليمي، ومساعدة اللبنانيين على إنهاء حالة الفراغ والشلل الحالية».وانطلاقاً من المزاج الدولي الجديد الذي لمسه سلام خلال وجوده في نيويورك، تابع فور عودته الى لبنان ملف روكز والتعقيدات التي اعترضته، بعد تسريب تسوية اشتملت على بند يتّصل بتعيين مدير عام جديد لقوى الامن الداخلي، وهو ما أثار غضب عون، الذي لوّح بتطيير الحوار والحكومة.وأشارت آخر المعلومات المتعلقة بمسار التسوية، الى ان الاعتراضات، لا سيما من وزراء الرئيس ميشال سليمان و«حزب الكتائب» وأيضاً المؤسسة العسكرية على مسألة ترقية 3 عمداء بينهم روكز الى رتبة لواء بما يؤجل تسريحهم سنة، فتحت الباب امام مقاربة جديدة تُسقِط الترقية التي تفتقر الى معايير واضحة والى العدالة ويمكن ان تفضي الى المس بهرَمية الجيش لمصلحة استمزاج الأطراف المعنيين فكرة تأجيل تسريح روكز وسائر العمداء الذين يبلغون سنّ التقاعد لسنة واحدة الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو ما يمكن ان يسير به سليمان من دون معرفة ما اذا كان عون سيقبل بمثل هذا المخرج الذي كانت لديه تحفظات عليه.