يقول المثل البيروتي الذي تردد في العديد من المسرحيات اللبنانية: «عند تغيير الدول... احفظ رأسك». وهو يقال للتندر على أننا في هذه المنطقة، يتم توزيعنا كجوائز ترضية ومغانم بين الدول الكبرى عندما تتقاسم النفوذ في العالم، وأنه علينا عندما تتغير الدول صاحبة النفوذ، الحفاظ على أنفسنا، إما بتغيير سريع للولاءات، وإما بكتمان هذه الولاءات من الأساس، وإلا فإن رؤوسنا على المحك.ما هو حاصل اليوم في منطقتنا، أكثر من تغيير في خارطة نفوذ الدول الكبرى. إنه فوضى عارمة تسود قواعد العمل بالنسبة لهذه الدول في تقاسم النفوذ او المغانم في العالم، بحيث ان الذي يريد تطبيق المثل البيروتي بحفظ رأسه، ضاع ولم يعد يعرف من يوالي ومن يعادي. فالدول الكبرى لم تعد ترغب بالوجود العسكري المباشر على أرضنا، رغم نداءاتنا لها التي تختلف بحسب اختلاف تحالفاتنا معها. وإذا فعلت ذلك، تفعله مضطرة، حين لا يكون عندها بديل آخر، لأن هذا الوجود المباشر اصبح يكلّفها اكثر ما يفيدها، وهي لا تريد منا سوى ان نكون زبائن ومستهلكين، وهذا موجود من دون سيطرة عسكرية.فرئيسا أميركا وروسيا، وجدا نفسيهما غير متفقين على شيء حين اجتمعا بعد طول انقطاع، لبحث قضايا دولية خطيرة أبرزها سورية و«داعش» وأوكرانيا وربما أيضا أسعار النفط، بشكل يذكر تماما بأيام الحرب الباردة، رغم محاولات مسؤولي البلدين الحديث عن اتفاقات تتناول مبادئ عامة ولا تغير شيئا على أرض الواقع.في الملف السوري مثلا، لم يحصل أي تقدم منذ اليوم الأول للأزمة. ما زالت المطالب عند سقوفها الأعلى. إما كل شيء وإما لا شيء، في حين أن موازين القوى على الأرض لا تتيح لأي من طرفي أو أطراف القتال الحصول على كل مطالبه، كما ان خطوط مناطق السيطرة أصبحت شبه ثابتة، ولم يعد من السهل إحداث تغييرات مهمة فيها، بل أن أميركا التي خرج رئيسها بالأمس ليعلن رفضه مقولة انه يجب دعم الرئيس السوري بشار الأسد لأن البديل اسوأ منه، هو نفسه لا يريد سقوط الأسد، وهذا ثابت، أكثر من أي شيء الآخر، في الاتفاق المباشر أو غير المباشر الذي يسمح لواشنطن ودمشق بالعمل عسكريا في مكان واحد، من دون أي اشتباك بينهما.ملف «داعش» ليس أسهل، فما يحصل داخل هذه «الدولة» غامض، وان كان الواضح انها ليست برسم السقوط القريب، فالحرب الجوية الأميركية قاصرة، وفق ما كشفته فضيحة تزوير التقارير الاستخباراتية التي قدمت إلى أوباما عن مسار الحرب. والأميركيون لن يقاتلوا في حرب برية، وكذلك الروس، والترك لديهم حربهم مع حزب العمال الكردستاني وليس لهم مصلحة، فكيف إذا سيهزم «داعش»، وهو الذي استجلب بعض المجرمين المحترفين من كل أنحاء العالم، وجعلهم أمراء ولايات ومدن وقرى، وأقام دولة تتوسل أساليب عصابات المافيا للحصول على الموارد التي تعتاش منها؟في ظل هذا الوضع، يصبح السؤال مشروعا عما اذا كنا في هذه المنطقة من العالم سننعم بالسلام لعقود مقبلة، فما يجري حاليا يؤسس لصراع دموي طويل يبدو ان أطرافه التي طرأت على الصورة، باقية معنا ولن تختفي بالسرعة التي ظهرت فيها.فالاحداث التي تحصل حاليا لا تقل خطورة عن تلك التي حدثت قبل عقود وما زلنا نعيش آثارها، بما في ذلك اقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، والحروب العربية الاسرائيلية كلها، ونيل دولنا استقلالها عن الاستعمار، والانقلابات التي اتت بضباط الجيوش الى الحكم في عدد كبير منها.ما يحصل للأسف، هو اكثر دموية من كل ذلك. وما الذي يشير الى ان المستقبل سيكون أفضل؟ فالدم لا يجر إلا الدم، والخوف لا يجر إلا التقوقع والانعزال، والبلدان التي اتخذناها أوطانا بعد أن رسموا حدودها لنا، لم تعد فضاء قادرا على جمع أبنائها وحمايتهم من بعضهم البعض ومن الخارج معا، وهي لم تكن في الأصل كذلك بالمعنى الحقيقي للكلمة.الأكثر أمنا هو الطائفة والقبيلة والعرق، وهذا ليس جديدا، ولا هو حصر على منطقتنا، ولكن في دول العالم الطبيعية الخيارات تؤخذ في استفتاءات شعبية، وليس بالقوة.هنا جُمعنا بالقوة والآن نتفرق بالدم.
مقالات
استعدّوا للأسوأ
10:07 م