إحدى نقاط الجاذبية في السينما الأميركية أن هوليوود لا تجد حرجاً في تسليط الضوء على سلبيات الأميركيين الكبار، فالسيرة - لديهم - سيرة أياً كان صاحبها أو بطلها، إنها تبحث في جوانب حياته، وتفتش عن كل شيء يدل عليه أو يتعلق به، وتورده بثقة من دون أن يرتفع ولو صوت واحد يعترض أو ينتقد أو يطالب بتعويض. فمعظم الأعمال الوثائقية الهوليوودية مرّت بعيداً عن أي أخذ ورد.مناسبة التذكير بهذا القول مجدداً هي حضور أسبابه في سيرة لاعب الشطرنج الأميركي العبقري بوبي فيشر ضمن أحداث فيلم «PAWN SACRIFICE» للمخرج المخضرم إدوارد زويك عن سيناريو كتبه ستيفن نايت الذي صاغ القصة مع ستيفن.ج. ريفيل، وكريستوفر ويلكنسون، وجمع هؤلاء معاً كل ما أمكن من حيثيات وحوادث، ومناوشات وممارسات قام بها فيشر في طفولته المتألقة بعبقرية مبكّرة ومراحل حضوره بطلاً في مسابقات وتحدّيات على مستوى الولايات قبل أن يخوض مواجهات عالمية لفتت إليه الانتباه كأفضل لاعب شطرنج ظهر حتى الآن.الروس أنفسهم، سادة اللعبة من دون منازع حتى ظهور فيشر، هُزموا أمامه واحداً تلو الآخر وصولاً إلى بطلهم المعروف بوريس سباسكي (لعب الدور لياف شرايبر) الذي وقف في الجولة الأخيرة ضدّه مصفقاً له وقائلاً: برافو. وذلك بعد مماحكات سببها حساسية فيشر لأي صوت يصدر من حوله، فقد أزعجه صوت موتور الكاميرا الخاص بأحد الصحافيين، ليطلب الانتقال إلى حجرة صغيرة في مستودع منعزل حيث لا صوت ولا حتى همس، وقد وافق سباسكي في السبعينات على الاقتراح لأنه لا يريد انتصاراً رخيصاً على فيشر، في وقت تدخل فيه وزير الخارجية يومها هنري كيسنجر طالباً باسم الرئيس ريتشارد نيكسون عودته للعب لأن أميركا تحتاج إلى فوز من هذا النوع في مواجهتها الاتحاد السوفياتي ضمن ما سمّي بالحرب الباردة.ويقدّم الفيلم بوبي فيشر (الذي قام بأداء شخصيته توبي ماغواير بأمانة وعمق كبيرين) على أنه عانى كابوساً اسمه الـ «كي جي بي»، إلى حد تصوره أن المخابرات الروسية تراقبه مباشرة من خلال شاشة التلفزيون إضافة إلى الميكروفونات التي تزرع في سمّاعات الهاتف. لكن بدا وكأن فيشر كان مرعوباً من مواجهة سباسكي، لذا عمد إلى تشتيت أفكاره بأكثر من انسحاب تحت سمع العالم وبصره.كذلك يقول الفيلم إن فيشر، وهو بطل لم يعرف امرأة في حياته، إضافة إلى كونه كره اليهود وهو منهم، ولم يحب الروس والشيوعية، ورفض تدخل والدته التي تركت والده، وكان فيشر ينزعج من مشاعرها الزائدة كل ليلة على مسمعه فطلب منها مغادرة البيت، ولم يقابلها قط بعد ذلك، وإن كانت الكاميرا مرت بها في يوم فرحة أميركا به حين تغلب على منافسه سباسكي. ولم يحب الصحافة قط، وكان يطلب إبعاد الصحافيين دائماً عنه.على رغم كل الصخب والشهرة فإن ما تأكد لاحقاً هو أن الرجل كان مصاباً في دماغه، لأن تصرفاته غير المبررة زادت على الحد، وخرج مرة من دون أن يقول لأحد، وغاب فترة طويلة حيث اعتُقل كمتشرد طويل الذقن (الفيلم قدم هنا بوبي فيشر الحقيقي) يشكو ظلم الناس والشرطة.لقد انتهى فيشر، من دون أن يقلل ذلك من كونه أهم لاعب شطرنج في العالم حتى الآن.