كتبت منذ أيام، أني حين أتعب من كذب وزيف البشر، أهرب من عالم الكبار لعالم الصغار ومتع الحياة البريئة. فلدي صغار قطة أعتني بها، أرعاها وأطعمها كلما استطعت، وهكذا أشعر أن الدنيا بخير.هل انقلبت الحال وأصبحنا نخاف البشر لا الحيوانات، أصبحنا ضحايا لبث الرعب والذعر في نفوسنا بمشاهدة سلوكيات هؤلاء المضطربة والمختلة وغير الطبيعية، لمجرد حب الشهرة والانتشار، ولتحقيق الإشباع في نفوسهم الفارغة المريضة، بمشاهدة الآخرين لهم وهم يمارسون رعونتهم وأمراضهم علنا ضد الكائنات التي لاحول لها ولا قوة، وبعضهم يتنافس بأعلى مشاهدة ويسخرون ويضحكون بينما المشاهدون يتشوقون عطشاً وجوعاً لمتابعة كل غريب ومختلف وغير مألوف.ولعل أفضل عقوبة ورد فعل لهؤلاء حظرهم ومقاطعتهم وعدم تشجيعهم، وحتى لا تسول نفس مرضى ومنحرفين آخرين لاتباعهم ومحاولة تقليدهم. هل انتشار وسعة وشهرة وسائل الإعلام الإلكترونية شجعت على إظهار الجانب الوحشي من بعض الناس الذين نظن خطأ أنهم بشر وفي الحقيقة هم وحوش بشرية، وبعض الحيوانات أكثر رأفة ورحمة منهم، ككثير من تسجيلات تظهر حنان ورحمة الحيوانات على صغارهم مثلا، وإلا فما هو مبرر تسجيلات قوات أمن تأكل الثعابين الحية لتكسب تعاطف الجمهور وتستعيد ثقتها بهم، وبعض الشباب يأكل السلاحف البريئة بلا إحساس أو رحمة، وآخرون يعذبون الحيوانات البريئة والعاجزة عن الدفاع عن نفسها، والتي لا ذنب لها سوى الوقوع فريسة لهؤلاء الوحوش وأشباه الشياطين.بات العصر التكنولوجي مخيفاً وأرضاً خصبة لكل من تسول له نفسه خلق وابتكار طرق وحشية لممارسة انحرافاتهم وأمراضهم النفسية والعقلية، ويبدو لي أن تلك الأفكار المريضة ما كانت ستخطر على بالهم لو لم تتح فرصة تصويره لسلوكه المشين وتسجيله فيديو لكل العالم، يراه ويشهده.وهكذا ترتفع نسبة الغرور لديه، ورضاه عن نفسه المريضة التي في رأيه اكتسبت شهرة وانتشاراً وقابلية لدى الآخر، أما من ينتقده ويوجهه للصلاح، فيعتبره نداً له، يغار منه، كم نأسف على هؤلاء ونشفق عليهم. لكن الدنيا دوارة، وسيرسل له القدر من يريه سلوكاً مشيناً كسلوكه، ومن يغيظه ويجعله يندم ويعود لصوابه.فالحياة مدرسة والأيام كتاب مفتوح والتجارب أقلام ودفاتر، فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء سبحانه.