يحبس محافظو البنوك المركزية أنفاسهم ترقباً لاجتماع مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي اليوم الذي سينظر في أول رفع للفائدة الأميركية منذ خفضها إلى مستوياتها الصفرية بعد الأزمة المالية العالمية. فماذا سيكون رد فعل بنك الكويت المركزي لو اتُخذ القرار في أميركا؟السؤال يبدو محل اهتمام كبير في الأوساط الاقتصادية، نظراً لتأثيره على معدلات فائدة القروض للأفراد والشركات، ومعدلات التضخم وأسعار الأصول، وربما على النمو الاقتصادي في فترة حساسة تشهد فيها إيرادات الدولة تراجعاً حاداً جرّاء انخفاض أسعار النفط.لسنوات طويلة ظل سعر الخصم الكويتي مرتبطاً بالفائدة الاميركية، فما إن يرفع امجلس الاحتياط الفيديرالي الفائدة أو يخفضها حتى يتخذ البنك المركزي الكويتي قراراً مماثلاُ. لكن المعطيات الراهنة تشير إلى احتمال آخر هذه المرة، وخصوصاً وأن البنك المركزي، تحت قيادة المحافظ الدكتور محمد الهاشل، أعطى في السنوات الأخيرة إشارات واضحة إلى استقلالية قراره النقدي عن السياسة النقدية الأميركية، بفضل فك ربط الدينار بالدولار (جزئياً)، وربطه بسلة عملات يشكل الدولار الوزن الأكبر فيها. ففي آخر مرة خفّض البنك المركزي سعر الخصم إلى 2 في المئة، لم يكن ذلك متزامناً مع أي قرار أميركي مماثل.ومع أن احتمال اقتفاء الأثر الأميركي في رفع الفائدة ما زال كبيراً، نظراً إلى وزن الدولار الكبير في سلّة العملات التي يرتبط بها الدينار، إلا أن الخبراء في سوق النقد وإدارات الخزينة الذين تحدثت إليهم «الراي»، يسوقون أسباباً عديدة قد تدفع البنك المركزي إلى مخالفة التوقيت الأميركي، والإبقاء على سعر الخصم الكويتي عند أدنى مستوياته التاريخية على الإطلاق:«الراي» تحدثت مع مسؤولي خزانة في الكويت لاستشراف ارائهم في هذا الخصوص، حيث اتفقوا على ان جميع المؤشرات تؤكد ان ما سيقوم به الفيديرالي الاميركي من مراجعة على اسعار الفائدة سينعكس بالضرورة على اسعار الفائدة الكويتية، لكنهم يعتقدون ان «المركزي» الكويتي هذه المرة سيحدد قراره بناء على اكثر من اعتبار لعل ابرزها:1. عندما كان البنك المركزي يقتفي أثر الفائدة الأميركي قبل أزمة المالية العالمية، أو حتى بعدها، كانت اتجاهات السياسات النقدية متشابهة في أوروبا وأميركا، بينما يبدو الآن أن الاقتصادات العالمية الرئيسية تمر بدورات متباينة. ففي حين عادت الولايات المتحدة إلى سكّة النمو وأوقفت التيسير الكمّي وبدأت تتلمس طريق رفع الفائدة، تدخل أوروبا واليابان دورات جديدة من سياسات التيسير الكمي، وتواجه الصين تباطؤاً اقتصادياً ملحوظاً.2. بالنسبة للكويت تحديداً، تبدو الدورة الاقتصادية فيها مختلفة تماماً عما تشهده الولايات المتحدة. فالنمو غير النفطي ما زال ضعيفاً وفي أمسّ الحاجة إلى التحفيز بدلاً من التشدد النقدي. والأخطر من ذلك أن انخفاض أسعار النفط يضغط على موارد الإنفاق الحكومي الذي يشكّل دائماً اللاعب الأهم في الدورة الاقتصادية. أضف إلى ذلك أن التضخم مازال ضمن المستوى المستهدف، بل إن أسعار الأصول عموماً تشهد تراجعاً مقلقاً، سواء تعلق الأمر بسوق الأسهم الذي يسجل أدنى مستوياته منذ خمس سنوات، أو سوق العقار الذي يشهد ركوداً ملحوظاً في مبيعاته التجارية والاستثمارية منذ بداية العام الحالي.3. لا يخفى على احد تراجع المبيعات العقارية التي سجلت عن اغسطس 22 في المئة على اساس شهري برصيد 205 ملايين دينار، مقابل 263 مليون دينار في يوليو، مع الاخذ بالاعتبار ان رفع اسعار الفائدة المحلية سيؤدي بالتبعية لزيادة الكلفة على قطاع التمويل العقاري ومن ثم تراجع اسعار العائد الداخلي للمستثمرين العقاريين، وهنا من المتوقع ان يزداد ركود السوق العقاري وهي النتيجة التي لا يسعى اليها «المركزي» خصوصا في ظل توجه الدولة نحو تحفيز الاقتصاد والانفاق الاستثماري.4. مع إعلان نائب رئيس الوزراء وزير المالية أنس الصالح للمرة الأولى عزم الكويت طرح سندات وصكوك لتغطية عجز الموازنة العامة للدولة في وقت تترقب فيه البنوك المحلية طرح هذه السندات والصكوك يكون من المناسب الحفاظ على سقف فائدة منخفضا لتجنب رفع الكلفة على الدولة في مساعيها لتغطية العجز المحقق في ميزانيتها.5. في ظل توجه الدولة إلى الإبقاء على معدلات الإنفاق الاستثماري، وعدم وجود ضغوط تضخمية كبيرة، قد لا يكون رفع تكلفة التسليف على القطاع الخاص مبرراً، لما يمكن أن يكون لذلك من أثر سلبي على النشاط الاقتصادي.لكن السؤال ماذا لو قرر «المركزي» الكويتي اقتفاء اثر الفيديرالي الاميركي في حال أن قرر الأخير رفع الفائدة؟لا ينكر المصرفيون توقعاتهم بان ذلك سينعكس على القروض الشخصية، حيث في هذه الحالة سترتفع الكلفة في سوق الائتمان الشخصي، لكنها ستكون بدرجة غير مؤثرة على اساس انها ستكون بمعدلات منخفضة، كما انها لن تشمل عملاء البنوك الاسلامية واصحاب التمويلات التي تقل أعمارها عن خمس سنوات وغير مستحقين لاجراء المراجعة عليهم.لكن من المتوقع أن تتأثر قروض الشركات بدرجة أعلى، باعتبار ان قيم القروض التجارية اعلى بكثير من الشخصية ومع بطء اداء الشركات خصوصا الاستثمارية في السنوات الماضية يكون من الصعب عليها التفاجي بارتفاع التكلفة التمويلية عليها خصوصا في ظل تراجع عوائدها التشغلية.واستبعد المصرفيون مع «الراي» ان يؤدي تنافس البنوك على استقطاب العملاء بعد قرار «المركزي» السماح بانتقال العملاء من بنك لاخر، إلى عدم توجه المصارف إلى رفع الفائدة على القروض الشخصية، وخصم الزيادة المقررة على سعر الاساس من هامشها المقرر، حيث بينت ان بعض البنوك بدأت منذ فترة المضاربة على اسعار الفائدة باقرار حسومات بين 10 و 20 نقطة لكنها لا تحتمل خصم ربع في المئة من عوائدها على القروض الشخصية.
اقتصاد
حبس أنفاس ترقباً لقرار مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي... اليوم
لماذا يفكّر «المركزي» ألف مرّة قبل رفع الفائدة ؟
محافظ بنك الكويت المركزي خلال مؤتمر «يورومني» أول من أمس (تصوير نايف العقلة)
04:49 م