من خلف غبار التحركات الاحتجاجية التي تشهدها بيروت، برزت ظاهرة طغيان دور الإعلاميات اللبنانيات في التغطية الميدانية للتظاهرات والاعتصامات وما تخلل بعضها من صِدامات مع القوى الأمنية.ورغم اتهام بعضهن بأنهن ممثلات واستغللن الحِراك الشعبي للظهور، وأنه بعدما كنَّ مكلفات بنقل الحدَث حاولن أن يصبحن الحدث، إلا ان مراسلات محطات التلفزيون اللبنانية تركن بصمة فارقة على المشهد الاحتجاجي في وسط العاصمة.منهن مَن طالتها مياه خراطيم القوى الأمنية لحظة البث المباشر، منهن من ضُربت، وبعضهن الآخر مُنعن بالقوة من متابعة بث الحدَث، وغيرها من المواقف التي تابعها المُشاهدون عبر الشاشات، فانقسمت الآراء بين المحبذ والمنتقد، لتتحول مواقع التواصل الاجتماعي مكاناً للتعبير عن الشكر والامتنان لهن، أو الطلب منهن التوقف عن «خطف» صورة الحدَث.واذا كان الاعلام حسب الألماني «اوتوجروت» هو«التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في الوقت نفسه»، فإنه يفترض بأي نشاط اعلامي أن يتمتع بالصدقية التي لا تتوافر الا اذا التزم الاعلامي الحياد والموضوعية في نقل الحدَث، فهل التزمت الاعلاميات اللبنانيات الحياد وكن موضوعيات عند تغطيتهن للتظاهرات؟ أم انهن انسقن وراء عواطفهن عن قصد أو من دونه، وهل فعلاً كنّ «يمثلن»؟«الراي» استطلعت آراء بعض الإعلاميات عن تقييمهن لعملهّن وسألتهنّ عما إذا كان لديهن أي تعليقات على مواقف كان بإمكانهن التعاطي معها بصورة مغايرة.نوال بريمراسلة تلفزيون «الجديد» نوال بري التي كانت «نجمة» التظاهرات لا سيما على خلفية ابتلالها بالمياه حين رشت القوى الأمنية المتظاهرين لتفريقهم، قالت: «أنا دائما قريبة من الحدَث، فكيف اذا كان يعنيني؟ حين بدأت التظاهرة كنتُ أقوم بعملي المهني لكن عندما طاولت خراطيم المياه والضرب جميع الموجودين، عندها أصبحتُ جزءاً من الحدث، فالدرك لم يميّزوا بين احد. انا مع الناس ومطالبهم المحقة لا سيما انها واضحة وسقفها محدد، فهم يطالبون بأمور حياتية وبإسقاط النظام. وبكل وضوح انا منحازة لهم كما ان موضوعية التلفزيون الذي أعمل فيه تقوم على قاعدة أساسية هي اننا مع الشعب ضد السلطة. ونحن كل يوم نعدّ تقريراً عن صرخة الناس فكيف اذا جاء اليوم الذي اجتمعوا فيه وصرخوا صرخة واحدة؟».وعن الانتقادات التي طالتها واتهمتها بأنها تؤدي «مشاهد تمثيلية»، أجابت: «ليقولوا ما يريدونه. انا في النهاية فتاة لديها احاسيس ستظهر حين يتم ضربها. هل يريدون ألا أقوم بردة فعل حين أتألم؟ قد يكون باستطاعة الشاب ان يضبط نفسه على الهواء ويخفي وجعه وانا،فعلت ذلك جاهدة، لكن هناك مواقف تجبرني ان أخرج عن السيطرة رغم توجيهات المحطة لي بان أبذل جهدي لضبط نفسي. أحاول لكن في النهاية انا انسانة أتصرف على طبيعتي سواء كنتُ على الهواء مباشرة ام في الحياة العادية».فتون رعدبدورها، مراسلة تلفزيون «المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناشونال» فتون رعد، تحوّلت نجمة الاعتصام الذي اقيم في وزارة البيئة في الاول من الشهر الجاري وتخلله احتلال الوزارة لساعات، هي التي رفضت وقف البث المباشر والانصياع لأوامر القوى الأمنية، فاستمرت في نقل الصورة إلى أن تم منعها بالقوة.وتقول رعد، التي ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالموقف «المتحيز» الذي اتخذته مع المتظاهرين: «ما حصل في وزارة البيئة هو محور عملنا. فعندما يحاول البعض التعمية على حدَث معين ومنع الكاميرات من التصوير، حينها يجب طرح علامات استفهام عدة عن سبب منع الاعلام من نقل الصورة الى الرأي العام».وشرحت: «حين تم قطع كابلات البث وبدأ المعتصمون بإطلاق هتافات للسلطة الرابعة، فمعنى ذلك انهم يخشون من التعرض للضرب، وقررتُ الاستمرار في عملي والبث عبر الهاتف رغم مَن قال بوجوب الانصياع لأوامر القوى الأمنية، وقد بقيتُ على الهواء حتى تمت إزاحتي من مكان الحدَث بصورة غير لائقة من القوى الامنية».ما قامت به ليس له علاقة بالتعاطف مع المعتصمين بحسب ما قالته، بل هو «من ضمن مفهوم الصحافة اذ ان محورها الأساسي ان أكون عيْن الناس وأن أوثّق ما يحصل عندما يكون هناك مَن لا يريد ذلك، وبالفعل ما قمتُ به جعل الناس يستعيدون الثقة في الاعلام».واستطردت رعد: «حين نمارس عملنا كإعلاميين على الأرض يوجد شقان، الأول يتعلق بنا كأشخاص يتفاعلون مع الامور، وبآرائنا التي يجب عدم إظهارها. والشق الثاني مهني، فما يتعلق برأيي الخاص أحتفظ به، أما من الناحية المهنية فكنتُ أحاول التعاطي مع الحدَث بأكبر درجة من الموضوعية سواء تعلّق الامر بالتظاهرات أم بالاعتصام في وزارة البيئة».راشيل كرممن جانبها ،طرحت مراسلة تلفزيون «الجديد» راشيل كرم علامات استفهام: «انا أغطي تظاهرات جماهيرية تحصل للمرة الاولى في تاريخ لبنان، فهل المطلوب ان نعتّم على المتظاهرين؟ ما فعلناه أننا أعطيناهم حقهم وليس اننا وقفنا معهم. نحن نعبّر عن نبض الشارع، فكيف اذا كان هذا الشارع قد نزل من دون أن يكون مدفوعاً من احد السياسيين؟ بل نزل ليطلق صرخة قهرٍ حيال وضع لم يعد يحتمل».واضافت: «على الصحافي في هذه الحالة ان يفتح الهواء للناس كي يعبّروا عما في داخلهم. ونحن كإعلام نفتح الهواء للسياسيين لساعات، ولذلك من حق المواطنين ان يكون لهم الهواء ولو لساعة. طبعاً اي شخص كان خارج المنطق أو قام بحركات مستفزّة لم أسمح له بالظهور على الشاشة».«لا يمكن لوم إعلامي والقول انه يؤيد المتظاهرين» بحسب كرم «فأنا أغطي اشخاصاً مقهورين يصرخون بألم، ولا ينتظرون أحزاباً لتكتب لهم شعارات يرفعونها على أوراق، بل هم من كتب شعاراتهم بأيديهم. وكذلك انا مواطنة تعنيني أزمة الماء والكهرباء والنفايات. ومع هذا أحاول قدر المستطاع ضبط نفسي على الهواء وعدم إظهار موقفي، لكن عندما تهجّمت القوى الأمنية على المتظاهرين من دون اعتبار للاعلامين، لا يمكن ان أصفق لها، فقد كنت واحدة ممن طالتهم حجارتها وممن أغمي عليهم من قنابلها المسيلة للدموع».رونا الحلبيمراسِلة تلفزيون «أم تي في» رونا الحلبي (ومقدّمة نشرات الأخبار) هي «قلباً وقالباً» مع التحركات كما قالت «لكن المفروض عند تأدية واجبنا المهني ضبْط أنفسنا قدر المستطاع، فعملنا يقوم على نقل الصورة كما هي، ولذلك علينا البقاء على الحياد. وانا أحاول قدر المستطاع ضبط نفسي، لكن لا يوجد نقل موضوعي مئة في المئة اذ في مثل هذه التحركات لا يمكنني أخذ رأي سوى طرف واحد، والقوى الأمنية لا تستطيع التصريح مباشرة على الهواء من دون اذن مسبق». يوم الاعتصام في وزارة البيئة تعاطفت الحلبي مع المتظاهرين، لكن «كنتُ خارج مبنى الوزارة، فوضعتُ حديث المعتصمين في اطار ما يقولونه، وأتصورّ انني كنت قريبة من الموضوعية في عملي الى حد ما»، مضيفة: «أنا أتميّز بهدوئي وأحاول دائماً ألا اجعل مشاعري تطغى على الحدَث وألا أصبح أنا الحدث».وختمت الحلبي: «هذه التحركات أعادت الروح إلى لبنان، وان لم تؤدِ إلى نتيجة في الملفات المطروحة حتى الآن. لكن على الاقل كسرت صورة انقسام المواطنين بين 8 و14 آذار، ولذلك في اليوم الذي أكون خارج دوام عملي، أنزل إلى الساحة للمشاركة كمتظاهرة».
متفرقات - قضايا
«الراي» تحدثت إليهنّ بعدما لمع نجمهنّ خلال تغطية الاحتجاجات في وسط بيروت
إعلاميات لبنانيات في الميدان... لسنا ممثّلات
08:59 م