تحوّلت «ورطة» النفايات «المستعصية» في لبنان مأزقاً يختزل كل عناصر الأزمة السياسية، في بُعديْها الداخلي والإقليمي، التي تعيشها البلاد منذ انفجار الصراع في سورية وبدء «عهد» الفراغ الرئاسي في 25 مايو 2014.فبعدما لاحت «بارقة أمل» بإمكان حلّ ملف النفايات المتكدّسة في الشوارع او في مكبّات عشوائية (في بيروت وجبل لبنان) منذ نحو شهرين، وذلك من خلال الخطة التي وضعها وزير الزراعة أكرم شهيب وأقرّها مجلس الوزراء استثنائياً من ضمن توافق سياسي، بدأت هذه القضية تعود الى «المربّع الأول» وسط توالي الاعتراضات عليها في الشارع والتي تُوّجت امس برفضها من قبل هيئات المجتمع المدني التي تتحرّك على الأرض في تظاهراتٍ يختلط فيها البُعد المطلبي المعيشي مع البُعد السياسي الذي يعبِّر عنه خصوصاً مطلب إجراء انتخابات نيابية تكون المدخل لانتخاب رئيس للجمهورية.وبرز امس بوضوح «الارتياب» لدى أطراف لبنانيّة عدة من شيءٍ ما يقف وراء «وضْع العصي في دواليب» خطة شهيّب التي تُعتبر أقصر الطرق لتلافي أسوأ كارثة صحية بيئية تضرب لبنان وتنذر بالأفظع مع اقتراب المطر، ولتأمين حلّ نهائي على مرحلتين لهذا الملف الذي بات يحلو للبعض من باب التندّر حيال التعقيدات التي تعتري إنهاءه تسميته بـ «نووي لبنان».ولم تتوانَ أوساط مطلعة عن القول عبر «الراي» ان من الصعب عدم ملاحظة «الصبغة» السياسية التي تعتري الاحتجاجات على خطة شهيّب، ووجود أطراف يقومون بدفْع الاعتراضات «من الخلف»، لافتة الى ان فريق العماد ميشال عون يبدو في خلفية المشهد الرافض خريطة الطريق التي وضعتها الحكومة لحل ملف النفايات ولا سيما عبر التحركات على الأرض التي تحصل (رفضاً لإقامة مطامر) في عكار وبرج حمود، فيما لا يخفى وجود دور لموالين للنظام السوري في الحال الاحتجاجية التي برزت في البقاع ضد إنشاء مطمر في منطقة المصنع.وبحسب هذه الأوساط، فان الايام القليلة المقبلة ستشكّل اختباراً حاسماً لمدى جدية مختلف مكوّنات الحكومة في حماية خطة شهيّب التي مهّد مناخ الحوار الذي انطلق في البرلمان بدعوة من رئيسه نبيه بري في تعبيد الطريق امامها، لافتة الى انه إذا تفاقمت الاعتراضات ولم ينجح وزير الزراعة عبر الاتصالات واللقاءات التي أطلقها في احتوائها، فهذا يعني ان ما يجري هو مجرّد «رأس جبل جليد» يطلّ على عناوين التأزّم الداخلية والاقليمية.ورأت الاوساط نفسها تبعاً لذلك، ان ثمة انطباعاً بوجود محاولة لجعل ملف النفايات ورقة ضغط بيد العماد عون في إطار المعركة التي يخوضها لتوفير مخرج يضمن بقاء صهره العميد شامل روكز داخل المؤسسة العسكرية (يحال على التقاعد منتصف اكتوبر المقبل) وتالياً يحفظ حظوظه بتولي قيادة الجيش، ولا سيما وسط معلومات لـ «الراي» عن صعوبات كبيرة تعترض محاولات توفير مخرج لهذه المشكلة والتي باتت محصورة بخياريْن يصطدم كل منهما بأكثر من عقدة.كما اعتبرت الأوساط، انه اذا لم تسهم القوى السياسية في 8 آذار بتفكيك «لغم» النفايات، الذي تفرّعت منه حركات احتجاجية في أكثر من ملف طالت امس المنطقة السياحية الأبرز على شاطئ بيروت (المعروفة بالزيتونة باي)، فهذا سيكون مؤشراً ايضاً الى محاولات مضمرة لنقل الوضع اللبناني الى مرحلة أكبر من التأزم ربطاً بمقتضيات التطورات في سورية خصوصاً.وفي موازاة ذلك، تبرز اشارت من رئيس الحكومة تمام سلام الى انه لن يتهاون إزاء محاولات تقويض خطة شهيّب التنفيذ، اذ نقلت اوساطه عنه قوله بحزم «حكومة عاجزة عن رفع النفايات، ما الداعي لبقائها»؟، فيما كان وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس يبلغ الى «وكالة الأنباء المركزية» «ان مجلس الوزراء عليه ان يحمي قراره، واذا كان عاجزاً عن ذلك، فـ (قلّته أحسن من وجوده)، والافضل ان يرحل».وثمة انطباع في بيروت بأن رئيس الحكومة يريد إنهاء ملف النفايات قبل ان يغادر بيروت الى نيويورك ليترأس وفد لبنان الى دورة الجمعية العمومية للامم المتحدة بدءا من 24 سبتمبر، على ان تعقد مجموعة الدعم الدولية للبنان في 30 منه اجتماعاً لتأكيد وقوفها بجانب الحكومة ورئيسها وللحض على انتخاب رئيس للجمهورية والبحث في كيفية تمكين بيروت من مواجهة الأعباء المتعاظمة جراء استقبال نحو 1.3 مليون نازح سوري.