يدهشك البعض حين يقارن. وكأن المقارنة أمر سهل، كالتنفس وشرب الماء. لا تتطلب معايير وشروطاً لتحقيق المصداقية والموضوعية. كالمقارنة بين طالب فنون وفنان عملاق، أو كاتب صدر له كتاب واثنان، مع أديب له عشرات الكتب. وهنا تحدث المبالغة، العاطفية أو الحماسية التي تطغى على المنطق وبصيرة العقل في التدبير للخروج بالحكم السليم. فلو كان متحمساً للشخص الأصغر في المقارنة، سيقحمه فيها دون تلمس مواقع الضعف، كونه أصغر سناً، وأقل خبرة، وأفقر انتاجاً وهكذا. أو لو كان مع صف الطرف الأقل ويريد الإعلاء من شأنه دون أدلة فيضعه في مقارنة مع الأكبر. وهنا، لم يكشف نفسه فقط، بل كشف ضعف موقف الطرف الآخر أيضاً.المقارنة في معجم المعاني الجامع هي، من مصدر قارن، مقارنة أي موازنة بينهما، بالنظر. ربط الواحد بالآخر، مستخلصاً أوجه الشبه والتأثيرات المتبادلة، لمعرفة الظواهر المشتركة.مما يؤكد على أنه حين تعقد المقارنة، لابد من حضور النقاط المتشابهة لا المتنافرة. كالمقارنة بين عالمين أو فيلسوفين، أو أديبين. لكن من جيل وخبرة وانتاج متقارب وليس العكس. أما ما نراه اليوم فمختلف عن المعنى الصحيح للمقارنة. فنجد من يقارن كاتب مقالات لأول مرة يكتب، بكاتب كتب عشرات بل مئات المقالات. فيقولون، يشبه نهجه في المقال، مما يثير السخرية فعلا، أو المقارنة بين إعلامي طفا على السطح فجأة بواسطة أو رشوة، بإعلامي مخضرم، أومقارنة كاتبة وفنانة تستخدم أنوثتها وجمالها المبتذل للوصول والظهور، بأديبة وتشكيلية لها تاريخ وخبرة تزيد على ربع قرن. غير منطقي فعلا. وهكذا تداخلت الأمور وارتبكت المعايير.لذلك حين تقارن، توخي الحذر، فلا يمكنك التلاعب بسنوات مجتهد، فنى عمره يكتب أو يرسم أو يفكر ويحلل. وتأتي على غفلة لتقارنه بمبتدئ على أساس الهوى والاندفاع.