عاشت بيروت، أمس، «تحت تأثير» نجاح حكومة الرئيس تمام سلام في ساعة متقدمة من ليل أول من أمس، في إحداث الاختراق الاول في جدار أزمة النفايات، التي شكلت الفتيل المباشر في إشعال موجة التحركات الاحتجاجية الشعبية التي تشهدها بيروت منذ نحو شهر، وذلك من خلال إقرار مجلس الوزراء الخطّة التي وضعها وزير الزراعة أكرم شهيب (من كتلة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط) مع نخبة من الخبراء والاختصاصيين.وشكّل التوصل الى هذا الاختراق بعد طول تعقيدات سياسية تطوراً أساسياً جاء نتيجة تَوافُق سياسي قسري فرَضَه تَصاعُد الاحتجاجات في الشارع، ولم يكن متوافراً في السابق، وهو ما تَسبب بوضع وزير البيئة محمد المشنوق، المعني الاول بملف النفايات في «عين العاصفة» الاحتجاجية الى حد بات مطلب استقالته يتقدم مطالب المتظاهرين في شكل ثابت.وقالت مصادر وزارية واسعة الاطلاع لـ «الراي» ان ما جرى في اليومين الأخيرين، وخصوصاً أول من أمس، شكل الإثبات القاطع على ان محمد المشنوق دفع ثمن القصور السياسي عن القرار الحاسم لإنهاء أزمة النفايات، فيما حصد الوزير الاشتراكي الذي كلّفه رئيس الحكومة هذه المهمة نتائج التوصل قسراً الى التوافق السياسي.ذلك ان الأزمة التي انطلقت من قفل مطمر الناعمة (في 17 يوليو الماضي) الذي يقع في منطقة نفوذ النائب وليد جنبلاط، عادت بعد أكثر من شهر ونصف الشهر لتبدأ مسار الاحتواء من النقطة نفسها، ولكن هذه المرة على أساس تَقاسُم الأعباء وتوزيعها على مختلف المناطق بمنطق توازن القوى والأعباء، علماً ان هذا المسار أمكن التوصل اليه بخطوطه العريضة بين مختلف القوى السياسية الممثَّلة في الحكومة، قبل انعقاد الجولة الاولى من الحوار الذي دعا اليه رئيس البرلمان نبيه بري، وهي الجولة التي كرّست «خريطة الحلّ» وأتاحت تبنيها في مجلس الوزراء الذي انعقد في مساء اليوم نفسه.وأشارت المصادر الوزارية نفسها الى انه رغم الانطباعات المخيّبة التي تركتها جولة الحوار الاولى، في ضوء ما شهدته من سجالات حادة بين زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون وعدد من أقطاب 14 آذار، ولا سيما الوزير بطرس حرب، وبدرجة أخفّ رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، فان ذلك لا يحجب ان القوى السياسية استشعرت بخطورة ترْك أزمة النفايات عالقة على القرار السياسي المفقود، فيما البلاد توشك على الانفجار تحت وطأة أزمات الخدمات. ولذا حصل تحييد واضح لأزمة النفايات عن الصراعات السياسية، تبدّت معالمه في انعقاد الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء بتمثيل نصفي لوزراء التيار العوني و«حزب الله»، اللذين أرسل كل منهما وزيراً واحداً الى الجلسة، في موقفٍ يبقي التحفظ عن حضور الجلسات، الى حين الاتفاق على موضوع آلية عمل مجلس الوزراء، ويتيح في الوقت نفسه تمرير خطة النفايات، بما لا يَظهر معه الحليفان في موقع المعرقل للخطة الملحة.ولفتت المصادر الى ان المرحلة المقبلة ستشكل الاختبار الحاسم لالتزام القوى السياسية بتسهيل تنفيذ هذه الخطة المتلازمة وخصوصاً لجهة توزيع المطامر، التي اعتُمدت عبرها، والتي ستحتاج حتماً الى تدخلات سياسية مع الأهالي في مختلف المناطق التي اختيرت فيها المطامر للحؤول دون عرقلة المرحلة الاولى من الخطة. علماً ان بعض الاصوات الأهلية المعترضة كانت بدأت بالظهور امس.وتبعاً لذلك، تقول المصادر، انه يصعب من الآن رسْم خط واضح لمسار الوضع الحكومي او السياسي العام، ولكن إقرار خطة النفايات يشجّع للمرة الاولى على توسيع هامش توافقات الضرورة المتعلّقة بعمل الحكومة، وهو الامر الذي سيجري العمل عليه سعياً الى التوصل الى توافق على آلية عمل مجلس الوزراء بما يتيح عودة انتظام جلساته.واضافت المصادر ان تطورات اول من امس شكّلت واقعياً انتكاسة للحركة الاحتجاجية التي تضاءلت أحجام المشاركين فيها بشكل بارز، الامر الذي يضع هذه الحركة امام اختبار دقيق حيال مدى استمرارها وزخمها في المرحلة المقبلة. ولكن ذلك لا يعني ان القوى السياسية والحكومة ستكون في موقعٍ مرتاح، بما يعني ان اتباع خطّ التوافق واستكماله لتفعيل العمل الحكومي، سيكون امراً لا مفر منه، اذ ان الجميع يدركون ان اشتعال موجات احتجاجية جديدة، سيكون امراً وارداً في اي لحظة، مما يضع البلاد امام استنزاف اضافي طويل.وتوقعت المصادر عيْنها، ان يكون هذا الملف تحديداً في مقدم المواضيع التي ستُطرح في الجولة المقبلة للحوار التي ستعقد في 16 الجاري في حال توسيع دائرة النقاشات وتَجاوُزها البند الاول المتعلق بأزمة الرئاسة.وكان مجلس الوزراء اللبناني أقرّ خطة الوزير شهيّب لحل أزمة النفايات والتي تقوم على مرحلتين واحدة انتقالية تستمر 18 شهراً وثانية مستدامة، وتتركز على توزيع «عادل» للمطامر على المناطق وعلى تزامن التنفيذ المرحلي، كما تكرّس إعادة الدور الى البلديات واتحادات البلديات في المرحلة المستدامة بما يترجم مبدأ اللامركزية.وانطلاقاً من هذه المتركزات، جرى التوافق على اعتماد مطمرين صحيين في منطقة سرار في عكار ومنطقة المصنع في السلسلة الشرقية (البقاع) واعتماد معمل معالجة النفايات في صيدا والعمل على تأهيل مكب رأس العين في صور ومعالجة مكب برج حمود مع إقرار مبلغ مئة مليون دولار لإنماء البقاع. كما تقرر نقل كل النفايات المتراكمة في بيروت وجبل لبنان (نحو مئة الف طن) الى مطمر الناعمة الذي يُفتح لهذه الغاية على مدى سبعة ايام فقط «على ان تبدأ بعدها فورا أعمال التتريب والتغليف والتخضير وانتاج الطاقة الكهربائية لتوزع مجاناً على القرى المجاورة». فيما برز قرار توزيع حصص البلديات من واردات الخليوي وإبلاغ سوكلين عدم تجديد عقود المعالجة والطمر والاشراف وتمديد عقد الكنس والجمع والنقل معها لفترة لا تتجاوز 18 شهراً.
خارجيات
التوافق السياسي على خطة النفايات أمام اختبار الموافقة الشعبية
حِراك الشارع في لبنان يدفع لتوسيع التفاهمات الحكومية «الاضطرارية»
09:01 م