لم يتفق فقهاء علم الجريمة والسياسة على تعريف واحد ومحدد للإرهاب، وحاروا وداروا حوله وحواليه، وفي النهاية انتهز السياسيون هذا الخلاف الفقهي وصاروا يطلقون على كل معارض أو حتى ناقد أدبي إرهابيا.ومن يظن أن الإرهاب أو الانتحاريين هم ماركة إسلامية أصيلة (غلطان)، فالإرهاب ليس له أب ولا أم ولا دين ولا مذهب. فالطيارون اليابانيون انتحروا في سبيل إمبراطورهم في الحرب العالمية الثانية، وحزب العمل الكردستاني حزب عرقي، ومع ذلك أثبت أفراده أن لديهم ميولاً انتحارية أيضاً.وقصة الإنسان والإرهاب قديمة قدم الزمان وما زالت مستمرة وستبقى إلى يوم يبعثون، وفي القرن العشرين أي في قرن الديموقراطية والحضارة، خرجت مائة وخمسون جماعة إرهابية!، ومازال خمسون منها تنبض بالإرهاب حتى كتابة هذه المقالة.والعدد السابق أكبر من اللازم، والسبب أن الإرهاب أصبح وصمة عار لكل من يعارض أي نظام ولو كان مثل نظام بشار الأسد، ولكن ما يميز إرهابنا اليوم هو استخدام كل الطرق والوسائل الممكنة، ولو على حساب مبادئ المجموعة الإرهابية وأخلاقياتها، ولذا هو يستمتع باستخدام الانتحاريين، وبالطبع لم يأتِ ذلك من فراغ بل لكونه أسلوباً غير مكلف، وفعالاً إلى أقصى حد، كما أنه أشد الأسلحة فتكاً وتأثيراً، وما يزيد من أهميته أنه من المستحيل منعه، وفوق ذلك يموت الانتحاري وسره معه وبالتالي تنقطع كل خيوط الجريمة.والانتحاريون ليسوا أغبياء، أو مضطربين نفسياً كم يعتقد الكثيرون، بل يتمتعون بمستوى ثقافي جيد مع ذكاء ورباطة جأش كبيرين، وخذ مثلا الانتحاريون الذين قادوا الطائرات التي أسقطت أبراج التجارة العالمية في أميركا، ولكن الغريب أن الدراسات، لم تثبت أن الفقر والجهل أو حتى الحرمان من العوامل الرئيسية للإرهاب. ولكنها استدركت لتقول إن ما هو ضروري أحياناً لتكون هذه الجماعات الإرهابية هو الشعور بالحرمان أو التمييز النسبي مقارنة بباقي المجتمع.كما كشفت تلك الدراسات أن المجموعات الإرهابية مع الزمن قد تتحول إلى عصابات إجرامية منظمة، أو أنها تكون في البداية عصابات منظمة ثم تتحول إلى مجموعات سياسية إرهابية، وفي كثير من الأحيان يتغلب الهدف المالي على الهدف السياسي، ولذا نلاحظ أن كثيراً من المنظمات يلجأ إلى عمليات الخطف ليضمن التمويل المالي وبالتالي استمراريته.ولكن المثير في سلوك هذه الجماعات أنها وعلى الرغم من تطرفها، لديها استعداد بأن تعمل مع أي جماعة أخرى تخالفها في العقيدة أو حتى تعاديها سياسياً، وكل ذلك في سبيل الوصول لهدف واحد مشترك، وعلى مبدأ عدو عدوي صديقي، والأدلة على ذلك كثيرة ومفزعة، فالقاعدة كانت تعمل مع الأميركيين ضد الروس في أفغانستان!، وبعد احتلال الأميركيين لأفغانستان، لجأ أفراد القاعدة إلى إيران! وأثناء الاحتلال الأميركي للعراق استخدم الأميركيون الجهاديين والقاعدة ضد الإيرانيين في العراق!، وكذلك استخدم الإيرانيون القاعدة ضد الأميركيين في العراق، المهم أن الجماعات الإرهابية وبكل أطيافها أصبحت مثل الجوكر يستخدمها كل اللاعبين في المنطقة، وبما أن الجميع يعدون أعداء لهذه الجماعات الإرهابية، فهم على استعداد للتعاون مع الجميع وضد الجميع، ولذا تجدهم يحاربون فصائل المعارضة السورية بتمويل من الأسد، ويحاربون الشيعة في العراق بتمويل من الغرب وبعض دول الخليج، ويرسلون الانتحاريين إلى الخليج بتمويل وتسهيل من إيران!، ويحاربون الأكراد بتسهيل من تركيا، ويحاربون في نيجيريا بدعم من بعض الدول الغربية، ويحاربون في ليبيا بدعم من بعض الدول الغربية والعربية.ويبدو واضحاً من سلوكيات هذه الجماعات الإرهابية أنها مهما قالت، ومهما ادعت، ليس لها دين ولا مبدأ، ولا تمتلك أخلاقاً، بل وليس لها أي هدف سياسي لذاتها، وما هي إلا أداة شيطانية لمن يدفع أكثر ولمن يسهل أعمالها!fheadpost@gmail.com
مقالات
حديث الأيام
هكذا تنتحر الجماعات الإرهابية
06:56 ص