في اللحظة التي اشتدّ «قرْع الطبول» في المنطقة مع وضْع الاتفاق النووي بين ايران والمجتمع الدولي على طاولة الكونغرس، و«المبارزة» الاميركية - الروسية المتصاعدة في سورية، أطلّت بيروت على العالم بمشهد الرشق بالبيض مع الجولة الجديدة من الحِراك المدني، الذي كان بمثابة الضيف رقم 17 على طاولة «حوار الإنقاذ» الذي التأم في جلسته الاولى، امس، في مقر البرلمان بأجندة سياسية «ملغومة» بأولوياتٍ متضاربة تشكّل امتداداً للصراع المتأجج في المنطقة.وفيما كان لبنان يشهد أشكالاً جديدة من الاحتجاجات المطلبية ذات الامتداد السياسي والتي جرت على «دفعتين» واحدة رمزية واكبت انعقاد الحوار ظهراً والثانية جاءت مسائية حاشدة، استمرّت العين الدولية على بيروت التي عادت الى صدارة الاهتمام الخارجي منذ ان بدأ الحِراك في الشارع، منذراً بان يتحوّل «كرة ثلج» في لحظة تعاظُم مظاهر تفكك المؤسسات، من الرئاسة الشاغرة منذ نحو 16 شهراً، الى البرلمان المقفل، فالحكومة المعطّلة.وشكّل الاتصال الذي أجراه وزير الخارجية الاميركية جون كيري برئيس الحكومة تمام سلام إشارة متقدّمة الى مدى الاهتمام الدولي بالواقع اللبناني، الذي سيكون حاضراً في الامم المتحدة، سواء من خلال مشاركة سلام في أعمال الجمعية العامة للمنظمة الدولية، او عبر ترؤسه اجتماع المجموعة الدولية لدعم لبنان التي ستنعقد في 30 الجاري على مستوى وزراء الخارجية.وقد شدد كيري على «الدعم الاميركي الكبير للرئيس سلام ولجهوده في تعزيز التوافق السياسي، رغم الظروف الصعبة التي تواجه البلاد»، مؤكداً في الوقت نفسه «الالتزام الاميركي المستمر للاستقرار والامن والاستقلال في لبنان».وجرى خلال الاتصال، الذي ناقش الخطط المتعلقة باجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، البحث في «ضرورة ان يلتئم مجلس النواب وينتخب رئيساً للجمهورية في أقرب وقت، وفقاً للدستور اللبناني والميثاق الوطني».وعكست مقاربة رئيس الديبلوماسية الاميركية للملف الرئاسي اللبناني وحدة موقف عواصم القرار من أهمية الإسراع في إنهاء الشغور الرئاسي عبر البرلمان الحالي، من دون ان يعني ذلك ان هذا المطلب الدولي سيكون كفيلاً بتعبيد الطريق الرئاسية، ولا سيما في ضوء عدم بروز اي مؤشرات لتفاهمات اقليمية - دولية ولو بالأحرف الاولى من شأنها كسْر المأزق في لبنان، وهو ما يعبّر عن نفسه خصوصاً من خلال استمرار «حزب الله» في الاختباء خلف العماد ميشال عون لتعطيل اي توافق داخلي حول الرئاسة.وهذا التجاذب كان الأكثر حضوراً في جلسة افتتاح الحوار يوم امس والتي تكرّس معها الاصطفاف بين فريق 14 آذار المتمسك باعتبار الانتخابات الرئاسية «المفتاح المركزي» لحلّ الأزمة اي لتغيير الحكومة ثم إجراء انتخابات نيابية وفق قانون جديد، وبين قوى 8 آذار المتمتْرسة وراء مطلب عون بانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب وإلا إجراء انتخابات نيابية على اساس قانون نسبي تفرز برلماناً جديداً يتولى هو انتخاب الرئيس.ورغم الاقتناع العام في لبنان بأن «حوار 2015» الذي حضرته 16 شخصية (وغابت عنه «القوات اللبنانية» بعد اعلان رئيسها الدكتور سمير جعجع مقاطعة الحوار) والذي رُفعت مناقشاته الى الأربعاء المقبل لن يفضي الى اي اختراقات وشيكة، فان اللافت كان ان الحِراك المطلبي الذي رافق انطلاق الطاولة برشق مواكب عدد من المشاركين فيها بالبيض (بينها موكب العماد عون) مع نعتهم بـ «الحرامية»، تحوّل عامل ضغط كبيراً على المتحاورين وسط محاولات استثماره من مختلف الأطراف.فالرئيس سلام استبق بدء الجلسة الاولى من الحوار بإعلانه من امام مقر البرلمان انه دعا مجلس الوزراء الى اجتماع استثنائي عند الخامسة من عصر امس لبحث خطة النفايات كما وضعها وزير الزراعة أكرم شهيب، في موقفٍ بدا وكأنه محاولة لوضع الجميع امام مسؤوليات سحب الفتيل الذي فجّر الاحتجاجات في الشارع التي انطلقت على خلفية ملف النفايات، وتالياً تحميل مَن يعرقلون الجلسة («حزب الله» وعون) تحت عنوان عدم التوافق على آلية عمل الحكومة الرئاسية، او رغبةً في ربْط القضية بالإبقاء على حظوظ العميد شامل روكز (صهر عون) بتولي قيادة الجيش تبعات عدم السير بخطة شهيّب.في المقابل، يحاول فريق 8 آذار استخدام ضغط الشارع، الذي رفع الى جانب شعار محاربة الفساد، دعوة الى إجراء انتخابات نيابية جديدة باعتبار البرلمان الحالي الممدَّد له مرتين غير شرعي، لدعم اولويته المتمثلة بالانتخابات النيابية اولاً ثم الرئاسية.وقبيل جلسة الحوار التي واكبتها إجراءات أمنية استثنائية أقفلت كل مداخل مقر البرلمان في «ساحة النجمة» بوسط بيروت، بما وفّر دخول غالبية المدعوين إلى جلسات المؤتمر من دون احتكاك مع المتظاهرين، باستثناء خمسة مواكب كمن لها المحتجون على الطريق البحرية ورشقوها بالبيض، كانت الأنظار شاخصة على ما اذا كانت هذه الجلسة ستكون يتيمة ام انها مجرّد «جولة تحمية» تعطي مناخاً من «التبريد» السياسي، ليأتي انفضاض الطاولة بعد نحو 3 ساعات ونصف، واعلان موعد لجلسة جديدة في 16 الجاري، كإشارة الى حاجة مختلف الأطراف الى وعاء تنفيسي للاحتقانات، علماً ان قوى 14 آذار كانت اعلنت بوضوح انها لن تقبل بالقفز فوق بند الانتخابات الرئاسية لمناقشة آلية عمل الحكومة والبرلمان ولا قانون استعادة الجنسية واللامركزية الادارية، معتبرة ان في ذلك فخاً نُصب من خلال إدراج بند الرئاسة كعامل جذْب لحضور حوار «ملغوم».
خارجيات
كيري اتصل بسلام مؤكداً أولوية انتخاب رئيس وفق الدستور والميثاق
الاحتجاجات تحاصر جلسة الحوار في لبنان
متظاهرون يرفعون العلم اللبناني في وسط بيروت أمس (د ب أ)
08:59 م