حافظ الشيرازي احد اعمدة الشعر و الأدب الفارسي منذ قرون حيث ترجمت قصائده الى معظم لغات العالم الحية و في مقدمتها العربية.و لحافظ أشعار عربية تتخلل أشعاره الفارسية والتي تسمي «الملمعة» و قد کانت مشهورة لدي الکثير من الشعراء الفرس وقد تناولوها مدللين علي براعتهم في هذا الفنّ أو لنقل القدرة التعبيرية للغة العربية إلي لغتهم الأم ولکن لم يبلغوا إلي ما کانوا يرنون اليه فوقع شعرهم من دون المستوي المرجوّ و إن کان يتمتع بقسط من الجودة، وحافظ من هؤلاء الشعراء وإن کانت له ملمعات عربية تتمتع بحلاوتها وتحتفظ بکثير من خصائصها الفنيّة المتميزة.إنّ شاعرنا کان حافظاً للقرآن ومدرساً للغة العربية وقد تأثر کثيرا من القرآن والحديث وشعر العرب وتجلي أثر ذلك في شعره مع أنه طبعه بطابعه الخاص وأکسبه صبغته الفنية الخاصة له. لكنه لعدم مغادرته بلادَه و لعدم إقامته في البلاد العربية ما استطاع أن يطّلع علي خفايا اللغة العربية ولذلك أخطأ في استعمال بعض القواعد ومدلولات کلماتها ولكنه مع ذلك أجاد في حلبة الشعر العربي وإن لم يبلغ الغاية القصوي في ذلك، کذلك تكون لقوة لسانه في لغته الأم تأثير علي حساب اللغة العربية مما أضعفت فيه السليقة العربية إلي حد ما، ولذلك لم يحصل علي المكانة التي يحتلها شعره الفارسي.ويجب أن نشير إلي أن کثيراً من شعراء الفرس أبدوا إهتماما باللغة العربية وحاولوا أن يستخدموها في أدبهم لأنها کانت لغة الدين إضافة إلي هذا کانت هناك موجة من التوجّه نحو اللغة العربية سواء في النثر أو في الشعر أو بين الناس، ففي هذه الظروف بدا شاعر کالحافظ الذي کان يتمتّع بقدرات هائلة في التعبير والتحليق في سماء الخيال وحاول أن يستعمل اللغة العربي? سعياً وراء أهداف، فنحن نريد الإجابة علي أسئلة منها: ما هو مدي تأثر حافظ من الأدب العربي وأدبائه؟ إلي إي حدّ نجح الشاعر في مسعاه؟ وإلي إي حدّ حقّق الأهداف التي کان يسعي وراءها؟ وهل يتمتّع شعره العربي بالخصائص نفسها التي يتمتع بها شعره الفارسي؟حافظ الشيرازي... هو شمس الدين محمد حافظ من أعلام الشعر في تاريخ الفرس بسبب جمال وروعة قصائده، فهم يرون في قصائده أغنيات حبّ[1] وقد ولد في شيراز في أسرة متوسطة الحال ولُقّب «حافظ» لحفظِهِ القرآن بقراءاته الأربع عشرة، عمل مدرّساً لکسب لقمة العيش، شهد القرن الثامن الهجريّ الذي عاش به حافظ أعنفَ الاضطرابات والأحداث في إيران، حيث سيطرت علي الحكم سلالات مغولية من أحفاد جنكيزخان، أذاقت العباد سوء العذاب، فظهر أثر ذلك في شعره وأثّر فيه، کما أثّر في شعره ما عاناه في حياته من فقر وعوز ولا سيّما في أواخر أيام حياته.هو «شاعر وجدانيّ غزِل من الطبقة الأولي سهلُ الشعر يقرب بشعره من عواطف النّاس وطريقة خطابهم ولذلك رُزق شعره سيرورة علي الألسن ويدور معظم شعره علي المعاني الغزلية والخمريّة التي يري فيها أکثر دارسيه إتجاهاً صوفياً ولا يرون أن تفسّر علي ظاهرها وخصوصاً فيما يتعلق بخمرياته ثمّ بغزله الذي ينطوي علي مدارك مادية من وصفه الخدود بالورد والجبين بالقمر والعينين بالنرجس».[2]إن «المضامين الساذجة تكتسب في لغة حافظ تألقها وصفاءها وجدّتَها والتعبيراتُ الخاصة له من إحدي أسباب قوة کلامه وشدة أسره وكذلك بلاغة إيصال الکلام إلي مخاطبه أو سامعه في أکمل وجه وأحسنه»[3] وهو «أعظم شعراء الغزل وأرقّ من أنجبتهم بلاد الفارس من الشعراء الغَزِليين وهو عفيف في وصف مشاهد الحبّ مترفّع عن الابتذال وقد بزّ أسلافه وخلفاؤه من المشارقة في التغنّي بالجمال... وقد قيل أنه کان ينتمي إلي طريقة من طرق الدراويش وليس لدينا مصدر مكتوب يمکن الاعتماد عليه في هذا الشأن» [4]إنه تناول الأفکار الصوفيّة وسما بها إلي منزلة عالية رفيعة تناول الشاعر في ديوانه موضوعات في الغزل ووصف الطبيعة و الحبّ و الخمرة علي طريقة أبي نواس وتناول بالهجاء والتهكم المتصوفة ورجال الدين الذين يتاجرون بالمظاهر الدينية ويراؤون النّاس، و أکثر قصائده غزليات وخمريّات وأتي بالخمريّات بأوصاف حتّي إن المسلمين أنفوا من تلاوتها وطعنوا فيه، غير أن أصحابه من المتصوفة يقولون:«ان ذلك مجاز والمراد به انجذاب النفس إلي العلاء ووصف حالتها التجليية ونشاطها الحيي لكنّ ظاهر کلامه لا يحتمل هذا التأويل وقد اعتني کثيرون من العلماء بشرح معانيه الغامضة إذ سلك في ذلك طريقة ابن الفارض حتّي أشکل کلامه علي الفهم وبقيت رموزه مکتومة». [5]کان يعيش في عصر کان اهتمام الإيرانيين منصبّاً علي الأدب واللغة العربية وقد ظهرت تباشير هذا الاتجاه في القرن الثاني عند شعراء کزياد الأعجم، أسرة نساري بخراسان، بشار بن برد من أشراف تخارستان وأبي نواس من أهالي خوزستان وأخذت تتسع في القرون التالية، «کما کان ازدهار الکتابة بالعربية والإنشاد بها في القرن الرابع والخامس الهجري؛ لذلك ظهر أکبر الکتّاب والشعراء العجم في إيران»[6]، وقد انجرف الكثير من الشعراء في هذا التيّار إما إعجاباً بها أو تقليداً منها ومن يُستثنَى من هذا التيار الجارف حافظ الذي کان ملمّاً بكثير من العلوم العربية وأدبها و لكنّ القدرلم يتح له الإلمام بها کأبناء بجدتها.اهتمّ حافظ باللغة العربية وآدابها کما اهتم بدراسة القرآن الكريم و الحديث الشريف والشعر العربي... کما ضمّن شعره الكثير من الأمثال العربية وکان من أثر ذلك کلّه في شعره ظهور الملمّعات التي هي: «مقطوعات تتعاقب فيها اللغتان علي نسق محدّد»[7]و کذلك غلبة الصبغة العرفانية والاخلاقية علي شعره و تجلي المعاني العرفانية ومزجها بالغزل.کانت له عناية خاصّة بالأدب العربي والقرآن الکريم والحديث الشريف وبطائفة من الشعراء العرب خاصة الصوفية منهم واستعار منهم الکثير من المعاني وطبعها بطابعه الخاص وأکسبها أسلوبه البديع والفريد في نوعه، فمن هؤلاء الشعراء ابن فارض الشاعر الصوفي الذي کان يستغرق ساعات في حالته العرفانية واصفاً ما حلّ به بعد صحوه بأسلوب يغلب عليه الوضوح اللغوي والخفاء المعنوي بحيث بقيت بعض أشعاره غامضة المعني لم تُحلّ ألغازها بعدُ.وقد حددت منظمة الأمم المتحدة يوم الحادي عشر من اكتوبر من كل عام لتخليد هذا الشاعر الانساني ونشر افكاره التي تدعو للوسطية والتراحم و التآخي بين ابناء البشر.* المستشار الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الكويت