بعد استقباله لأعوام نفايات بيروت وجبل لبنان، أغلق مطمر الناعمة في شهر يوليو الماضي أبوابه أمام الشاحنات، فتراكمت النفايات على الطرق وفي الساحات، ودخلت «بلاد الارز» أزمة جديدة... فاحت الروائح الكريهة في الأجواء، بلا خطة واضحة للمعالجة، والمناقصات التي أجرتها اللجنة الوزارية رفضت الحكومة نتائجها.ورغم الحلول المؤقتة والعشوائية التي تبنّتها البلديات، فإن كيل الشعب طفح، فوُلدت حملة شبابية أطلقت على نفسها اسم «طلعت ريحتكم» طالبت بالاسراع في ايجاد حل لأزمة النفايات، وحشدت جماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل ان تنزل على الارض وتعمل على تغيير الموازين.خلال مدّة قصيرة أنجبت «الحملة الأم» عدة حملات بتسميات متنوّعة منها «حلّوا عنا»،«بدنا نحاسب»، «ع الشارع»، و«دفاع»، كما انضمّ اليها العديد من جمعيات المجتمع المدني... وقد تعددت المطالب والأهداف لكن الثابت الوحيد أن الحِراك لن يتوقف رغم أعمال الشغب التي رافقت التظاهرات.التظاهرة الأكبر التي رفعت الصوت عالياً ضد «الفساد» و«أزمة النفايات» في 29 اغسطس طالبت أيضاً بـ «إعادة تشكيل السلطة، بالطرق الديموقراطية» وإجراء انتخابات نيابية، كما دعت وزير البيئة محمد المشنوق الى الاستقالة ممهلة السلطة 72 ساعة للاستجابة. وقبل ان تنتهي المدة المحدّدة باغت شباب من الحراك وزارة البيئة في سط بيروت فاحتلّوها لتعمل القوى الأمنية على إخراجهم بالقوة من الطبقة الثامنة من مبنى اللعازراية ما أدى الى وقوع عدد من الجرحى.وعلى وقع غليان الشارع الذي وضع لبنان في «مهب العاصفة»، تدارك رئيس مجلس النواب نبيه بري المخاطر المقبلة، فسارع الى دعوة رئيس الحكومة تمام سلام، وقادة الكتل النيابية الى طاولة حوار تدرس الحالة القائمة وستعقد اولى اجتماعاتها في 9 سبتمبر، وهو الموعد الذي سيشهد تظاهرة كبيرة للحِراك المدني.وفي الوقت ذاته بدأت تيارات سياسية بفتح ملفات ناشطي حملة «طلعت ريحتكم» مع التشكيك بأهدافها وتمويلها، بدءاً من عماد بزي الذي اتُهم بالزواج من اسرائيلية الى أسعد ذبيان الذي أعيد نشر تعليقات له على «فيسبوك» تعود إلى عامين ينتقد فيها الاديان.وقد ردّت «طلعت ريحتكم» على الاتهامات، وكشفت لـ «الراي» عبر أحد ناشطيها لوسيان بو رجيلي الذي تعرّض للضرب يوم احتلال وزارة البيئة، «المنبع» الذي يموّل الحملة وقال: «مَن يرِد ان يعرف من اين نأتي بالأموال لمتابعة الحراك عليه ان يزور موقع«INDIEGOGO»فعبره نجمع التبرعات، ومن خلاله يظهر للجميع كل أسماء المتبرعين والمبلغ المتبرَّع به، بالاضافة الى المبلغ الكامل الذي جمعناه. اما عن طريق المصارف فلا نقبل اي مبلغ مالي، وكل ذلك للحفاظ على الشفافية».وبعيداً عن ملف النفايات الذي شرّع الابواب امام مطالب قديمة جديدة تهدف الحملة الأم الى «انتخاب مجلس نواب يمثل الشعب ومن ثم رئيس الجمهورية بأسرع وقت، كي لا يُنتخب رئيس من مجلس لا شرعي ولا دستوري وممدد لنفسه»، بحسب ابو رجيلي الذي أضاف: «سنستمر في تحركاتنا حتى تحقيق مطالبنا رغم العنف الذي نُواجه به من القوى الأمنية».وعلى عكس «طلعت ريحتكم»، تعتمد «بدنا نحاسب» التي تضمّ عدة مجموعات شبابية على التمويل الشخصي من اعضائها بحسب احدى ناشطاتها، مي الخطيب التي شرحت عبر «الراي» أسباب تعدد الحملات قائلة: «الجميع كان تحت خيمة طلعت ريحتكم، لكن بعد القرار الذي اتخذته الحملة الأم بتأجيل التحركات عقب وقوع إشكالات مع القوى الأمنية في التظاهرات التي سبقت تظاهرة 29 اغسطس، قررت مجموعةٌ الاستمرار في التحركات وكانت بدايتها مسيرة انطلقت من قصر العدل ووصلت الى رياض الصلح رافعةً شعار بدنا نحاسب».«... إلغاء نهج الخصخصة والافراج عن أموال البلديات من الصندوق الموحد والدعوة الى انتخابات نيابية على أساس نسبي ولبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي كي يتمثل جميع اللبنانيين، بالاضافة الى محاسبة كل مَن أطلق النار على المتظاهرين، والافراج عن الموقوفين». هذه هي أهداف حملة «بدنا نحاسب»، وفق الخطيب التي اكدت «اننا لم نكن راضين على الاعتصام داخل الوزارة فنحن لا نريد للوزير محمد المشنوق، أن يكون كبش محرقة فحتى لو استقال سيأتون بغيره»، مستطردة: «كان هناك اجتماع لجميع الحملات، من ضمنها جمعيات بيئية بالاضافة الى الوزير السابق شربل نحاس والنقيب حنا غريب، لكن تفاجأنا قبل نصف ساعة من الاجتماع بخبر الاعتصام داخل وزارة البيئة، ووُضعنا تحت الأمر الواقع ومع ذلك عُقد الاجتماع واتُخذ القرار بدعم كل المجموعات للمعتصمين في الوزارة».«حلوا عنا»«عندما توسع الحراك وازدادت أعداده، ظهرت مجموعات تلتقي على الرؤية والأفكار لتشكل قطعة من الحملة الأم ما يسهل تحركها». هكذا يفسّر ابراهيم دسوقي ولادة مجموعة «حلوا عنا»، موضحاً: «نحن مجموعة مؤلفة من أشخاص مستقلين ليس لديهم أجندة سياسية بل أهداف آنية ومرحلية، اذ نحاول الوصول في المرحلة المستقبلية الى قانون انتخابات تمثيلي حقيقي خارج القيد الطائفي يفتح ثغرة في جدار النظام اللبناني ويتيح للشباب الخارجين عن طوائفهم ليكون لهم تمثيل وحضور داخل البرلمان، كما نضع الأولية للأمور المعيشية المتعلقة بهموم المواطن والتي دفعته للنزول إلى الشارع».الحملة كانت جزءاً من اعتصام وزارة البيئة، أما تمويلها بحسب دسوقي فـ «ذاتي، وتظاهرة 29 اغسطس كلفتنا 2000 دولار تبرّع بها اعضاء المجموعة».بدورها برزت حملة «ع الشارع» التي أطلقت شعار «كلن يعني كلن»، ونشرت صوراً لجميع القادة السياسيين مع تعليقات بتحميلهم مسؤولية ما يجري، وهو ما ادى الى انقسام الشباب اللبناني الذين رفض بعضهم التطاول على «زعيمهم»، وفجّر معركة الكترونية قاسية قبل يوم التظاهرة الكبيرة في 29 اغسطس.وتابع ان ما تطمح اليه الحملة «استمرار الحراك في الشارع حتى تحقيق تغيير أساسي في الملفات المطروحة المعيشية والاجتماعية، من موضوع النفايات الى الكهرباء الى الأملاك البحرية، أي أن ندفع السلطة في لحظة ضعفها لإحداث هذا التغيير».وعن مجموعة «دفاع» التي تضمّ حالياً نحو 50 ناشطاً، تحدث فراس حاطوم لـ «الراي»، موضحاً ان «المجموعات التي تتحرّك على الأرض تحتاج الى مواكبة اعلامية وفنية ولذلك ظهرت مجموعتنا»، ولافتاً الى «اننا نحاول كاعلاميين وفنانين لعب دور في دعم الحراك، فالعاملون في المجال الإعلامي ومنهم رامز القاضي، جاد غضن، نانسي السبع، دلال معوض، رنيم بو خزام، فتون رعد، ليال حداد، جوزفين ديب وجو معلوف قد يعدّون تقارير وثائقية عن الحِراك، كما نتداول طرح تأسيس قناة تلفزيونية عبر الانترنت للغاية نفسها، أما الفنانون المنتمون للمجموعة فمنهم ريتا حايك، نادين الراسي، ندى فرحات، نيكولا معوض، وديع أبو شقرا، هشام حداد، وقد يطرحون اغنيات لدفع الناس للنزول إلى الشارع»، مضيفاً: «ليس لدينا مطالب خاصة بل مجرّد دعم للمتظاهرين».ورغم تعدد الحملات يصرّ أحد أعضاء لجنة التنسيق بينها مارك ضو في حديث لـ «الراي» على أنه «لا توجد نقاط خلافية بل خلافات في وجهات النظر، ونحن نعمل معاً من أجل تجاوزها، والجميع متفقون على الصورة التي يريدونها للبنان مستقبلاً، لكن الاختلاف هو على أسلوب الوصول اليها». وشرح ان «النقاش يدور على مدخل التغيير، هل هو في إصلاح النظام، أم اصلاح قانون الانتخابات من خلال ادخال بند جديد على عملية بناء السلطة، أم المدخل بإصلاحات داخل النظام من خلال فصل الدين عن الدولة كما يذكر الطائف اي فصل المجلس النيابي عن القيد الطائفي، ام يجب اولاً التركيز على القضايا المطلبية».ولفت الى وجود جمعيات ليست لديها طروحات سياسية منها «جمعيات بيئية ونسائية، ولكن جميعها لديها طروحات اصلاحية في الدولة اللبنانية إن كان على صعيد المراسيم والقوانين وغيره. وهذا مكوّن اساسي، اذ لسنا فقط تحالفا سياسيا».
خارجيات
«الراي» تحدّثت إلى ناشطين من مختلف مجموعات «انتفاضة الشارع»
«طلعت ريحتكم» وأخواتها: صراع أولويات في خريطة التغيير
07:09 م