نظراً لما تعنيه مفاهيم التسامح والإيجابية في حياة المجتمعات الإنسانية، ووصولها إلى مستويات راقية في التعامل والحوار وتقبل وجهات النظر المختلفة، ألقى الباحث أحمد بوعركي محاضرة تفاعلية دارت في فلك هذه المضامين الإنسانية نفسها، وشملت المحاضرة بالشرح والتفصيل والتطبيق هذه المفاهيم، من خلال ما تعنيه من قيم فطرية وأصيلة في الإنسان، وبها يستطيع بلوغ أعلى المراتب الأخلاقية، ومن ثم حدد المحاضر فوائد التسامح على الإنسان في مجتمعه من خلال علاقته الوثيقة مع التفكير، وتأثيره المباشر على منطقة عمليات المخ، وكذلك أبعاده الإيجابية على الجوانب الفكرية والصحية والاجتماعية... والمحاضرة أقيمت في مكتبة الكويت الوطنية.وأكد بوعركي أن فهم التسامح يسهل تطبيقه، وأن معرفة آلياته تسهل استخدامه، في ما تشجع معرفة فوائده على الاستثمار فيه بما يخدم الحياة في صورتها العامة.وانطلق اهتمام المحاضر بمفهوم التسامح والإيجابيات من خلال دراساته الأكاديمية، كونه باحث ماجستير في علم النفس الرياضي في جامعة الإسكندرية، كما أنه المدير العام لمؤسسة «إيجابي» للمشاريع التربوية والتنموية، التي لها العديد من المنجزات، في ما تم تكريمه من قبل الأمم المتحدة، في العام الماضي، للخدمة المجتمعية.واستطرد المحاضر في الشرح بالأدلة والبراهين والحجج، العلمية والاجتماعية والثقافية، من أجل إبراز فكرته حول مفهوم التسامح والإيجابية، وبالتالي فقد حظي طرحه بالموضوعية والقدرة على تفكيك مفاصل الفكرة، من أجل الوصول بها إلى ذهن المتلقي بسهولة ويسر.ومن خلال أمثلة تطبيقية- تحاور من خلالها بوعركي مع الحضور- جاءت نتائج المحاضرة موفقة ومحققة لأهدافها المنشودة، فقد طرح المحاضر أمثلة من حياته الشخصية، مثل اصطدام سيارة بسيارته من الخلف وكيف واجه هذا الحادث بالتسامح، وتعدي أحد الأشخاص عليه بسبب مواقف السيارات، ومن ثم مقابلة هذا التعدي بالتسامح، الذي كان من نتائجه أن جعل هذا الشخص بنزعته الانتقامية يتحول إلى شخص متسامح... والكثير من الأمثلة والتطبيقات، التي لاقت استحسان الحضور.وفي سياق المحاضرة طرح بوعركي سؤاله أيهما أسهل التسامح أم الانتقام؟!، مؤكدا أن الانتقام أسهل وأسرع، بينما التسامح يحتاج إلى مقومات تتعلق بالتفكير والقلب والجوارح، لأن كلمة «آسف»، ربما تكون صعبة عند البعض، بسبب العناد أو عزة النفس المتوهمة، ثم طرح ثلاث قواعد رئيسية للتسامح مأخوذة من ديننا الحنيف وهي كظم الغيظ والعفو والصفح ثم الخير، وتطرق بوعركي إلى الفكرة كونها تجارب ومواقف، وأن الشخص حينما يريد الانتقام تحدث ثلاثة أشياء رئيسية في مخه هي أن مسار طاقة الحب تتغير مع تغير في الإفرازات الكيميائية، وتغير في الإشارات الكهربائية في المخ، وأن الانتقام يحتاج لشعور سلبي كبير وهو جهد على الجسم يزيد من الكهرباء والعصبية، بينما يرتاح الإنسان ويحس بالسكينة عند التسامح.فيما تحدث المحاضر عن نمطين هما التسامح والانتقام، من خلال تجربة عملية أداها الحضور، من خلال التقاط ورقة موضوعة على الطاولة بين اثنين أو ثلاثة، والتباري لمن يلتقطها أولا، وخلص المحاضر أن هذا النمط يندرج ضمن التفكير الانتقامي، حيث إن المتبارين كل يريد إحراز الانتصار على الآخر، من دون النظر إلى الشخص المنافس وما تربطه به من علاقة، موضحا أن هذا النمط يتميز به التجار والرياضيون لأن هناك طرفا منتصرا وآخر مهزوما.أما النمط الثاني فهو المتسامح الذي يتميز بالإنسانية والطيبة، ومراعاة مشاعر الآخرين، وسرعة الاعتراف بالخطأ.وتطرق بوعركي إلى الانفعالات الإيجابية والسلبية التي تصيب الإنسان، وهي الغضب والخوف والحزن والسعادة، وخلص إلى ان سعادة الإنسان تنسجم مع قدرته على التسامح، وليس في الانتقام.