انتقل لبنان الى «غرفة العناية المركّزة» مع التدافُع بين الشارع المتأجّج والمتحفّز لجولة جديدة من الحِراك اليوم، وبين الأزمة السياسية التي جعلت البلاد في «عين العاصفة»، والتي تقف امام محاولة لاحتوائها من خلال المبادرة التي أطلقها رئيس البرلمان نبيه بري لطاولة حوار تضمّ قادة الكتل البرلمانية.وبعد «السبت الهادر» شعبياً والذي خلص الى منْح هيئات المجتمع المدني حكومة الرئيس تمام سلام 72 ساعة تنتهي اليوم لتحقيق مطالبها، وفي مقدّمها استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، على خلفية ما يعتبرونه سوء ادارة لملف النفايات، ومحاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق وكل من أصدر الأوامر باطلاق النار على المتظاهرين، وإجراء انتخابيات نيابية جديدة، بدت الحكومة والبلاد أمام امتحان ستتضح ملامحه اليوم في ضوء الجولة الثانية من الحِراك الكبير الذي انطلق في الشارع، والتي لوّح منظموها بانها ستحمل نفَساً تصعيدياً ومفاجآت لم يكشفوا عنها.وفي خطوة احتوائية، اعتُبرت بمثابة «نصف استقالة»، اعلن الوزير محمد المشنوق «الانسحاب من اللجنة الوزارية الخاصة بملف النفايات الصلبة ومن أمانة سر هذه اللجنة»، طالباً من سلام «تكليف مَن يراه مناسباً بدلاً مني لمتابعة ملف النفايات، مع وضع جميع إمكانات وزارة البيئة لمساعدته، واستعدادي الدائم للقيام بواجبي حيث تدعو الحاجة»، ومتمنياً «ان يتمكن لبنان من الوصول الى حل سريع لهذه الأزمة المتفاقمة».وعزا وزير البيئة قراره الى «التطورات الاخيرة ولاسيما النقاش الدائر حول موضوع معالجة أزمة النفايات، وإيماناً مني بضرورة التقدم بحلول تحدث خرقاً في الواقع المتردي نتيجة إغلاق مطمر الناعمة، وعدم إتمام ملف المناقصات، وعجز القوى السياسية عن إيجاد المطامر الصحية».وفيما أتبع رئيس الحكومة خطوة المشنوق بتكليف وزير الزراعة أكرم شهيب ترؤس لجنة لتولي قضية النفايات تضم مَن يلزم من الخبراء لاقتراح مخارج وحلول فورية للأزمة، لم تتلقف قوى الحِراك المدني خطوة وزير البيئة ايجاباً بل اعتبرتها «تمييعية» لمطلب الاستقالة التي لم يُقدم عليها المشنوق بعدما اعتبر ان «استقالة الحكومة تظل أقل وطأة من استقالة وزير في هذه الظروف، لان الحكومة تتحول مجتمعة الى تصريف الاعمال، بينما إذا استقلت أنا، فسيحصل خلل في التمثيل الحكومي (سياسياً ومذهبياً)، وسيحلّ مكاني بالوكالة، في انتظار تعيين البديل المجهول، الوزير الياس بو صعب، ولا أعرف حينها إذا كانت أزمة النفايات ستُعالج ام ستتعقد».ويسابق التحرك الذي ينفّذه المجتمع المدني اليوم، التظاهرة التي دعا اليها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون يوم الجمعة المقبل في «ساحة الشهداء» بوسط بيروت تحت العناوين المطلبية السياسية التي يرفعها ولا سيما لجهة المطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية من الشعب او إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية، وسط تصاعُد عملية التعبئة التي يقوم بها «التيار» لجمهوره لتحفيزه على المشاركة بكثافة لمحو مشهد التجاوب الهزيل مع تحركين سابقين اقيما في الاسابيع الماضية، وخصوصاً بعدما رسمت تظاهرة حملة «طلعت ريحتكم» السبت، سقفاً عالياً لجهة الحشد الشعبي.ولم يتوان جمهور «التيار الحر» عن تصعيد «فتح النار» على منظمي الحِراك المدني، اذ بعدما اتهمهم بسرقة شعاراته، عمد الى «نبْش» تعليقات قديمة على موقع «فيسبوك» لأحد قادة حملة «طلعت ريحتكم» وهو أسعد ذبيان تضمّنت اساءات للديانة المسيحية، واعتبار ان ما كتبه يؤشر الى طبيعة مَن يقفون وراء تحرك هذه المجموعة، علماً ان ذبيان الذي أقرّ بما كتبه أشار الى انه لم يوفّر الديانات الاخرى من تعليقات وضعها في سياق «الهزار»، واكد انه يتحمّل مسؤليتها لوحده.وفي ظل هذا المناخ، تصدّر المشهد السياسي «نداء إغاثة الوطن» عبر الحوار الذي دعا اليه الرئيس بري على ان يُعقد في الأيام العشر الاولى من سبتمبر المقبل، وسط رصْد لمواقف غالبية الكتل السياسية من هذه الدعوة التي حظيت بموافقة علنية من غالبية الأطراف السياسيين، رغم عدم اتضاح هوية كل مَن سيشاركون فيها والذين حدّدهم رئيس البرلمان برئيس الحكومة وقادة الكتل النيابية.وكان لافتاً ان الأصداء الأوّلية لمبادرة بري التي تعيد الى الأذهان طاولة حوار 2006 التي ترأسها في مقر البرلمان، تمحورت في اتجاهين:* الأوّل تلقّفها بايجابية كبيرة، معتبراً انها تلاقي مناخاً خارجياً يدفع في اتجاه تبريد الواقع اللبناني، وتهيئة المناخ فيه لتلقف اي تسويات في المنطقة، و«لملمته» من خلال الضغط في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية «قبل رأس السنة، علماً ان الوضع في لبنان سيكون محور اجتماع قريب تعقده»مجموعة الدعم الدولية للبنان التي يترأسها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.* الثاني عكس التباساً حيال جدول أعمالها ومسارها وأولوياتها كما خلفياتها. فاذ اعلن بري ان الحوار سيبحث«في رئاسة الجمهورية وفي عمل مجلس النواب والوزراء وماهية القوانين النيابية واستعادة الجنسية واللامركزية الادارية»، أثيرت علامات استفهام حول اذا كان هذا الترتيب في جدول الأعمال يمرّ حتماً بالتوافق في الملف الرئاسي ام ان هذا البند سيُعتبر عدم التفاهم عليه مدخلاً ضرورياً لتنظيم الخلاف في شأن عمل المؤسسات الأخرى.وتوقفت دوائر سياسية في هذا السياق، عند اعتبار الرئيس سعد الحريري في معرض تأييده مبادرة بري«ان الاتفاق على بتّ موضوع رئاسة الجمهورية يشكل المدخل السليم للبحث في القضايا الاخرى، وإعلان التمسك بالحكومة وتفعيل عمل البرلمان قاعدتان للاستقرار المطلوب في هذه المرحلة»، وهو ما فُسر على انه ينطوي على تحفظ عن إغراق الحوار بعناوين غير لبّ المشكلة اي الفراغ الرئاسي.وبحسب هذه الأوساط، فان ثمة خشية من ان يكون الحوار الذي يُعقد للمرة الاولى في غياب رئيس للجمهورية، الوعاء الذي يمكن ان يتلقف اي هزة كبيرة مثل إسقاط الحكومة تحت ضغط الشارع، بمعنى ان تكون هذه الطاولة البديل الوحيد لإدارة اي فراغ كامل وتالياً تتحوّل بمثابة هيئة لمؤتمر تأسيسي لطالما غمز من قناته«حزب الله».