عندما تقرأ التوراة سيصادفك سفر يسمى «سفر الخروج»، وهو السفر الذي يتحدث عن خروج بني إسرائيل من مصر مع نبي الله موسى عليه السلام، الذي قادهم في رحلةٍ طويلة عبر البراري حتى وصلوا جبل الطور في سيناء، ولكنك لن تقرأ أنه في هذه الفترة كان يوجد موظف جوازات يطالبهم بورقة «خروجية» كي يعبروا الأراضي أو يسيروا في البراري.وعندما جاء زمن الإقطاع والعبيد كان لا يُسمح «بضم الياء» للمزارع أن ينتقل من أرض إلى أخرى إلا بورقة من مالكه تثبت أنه ليس هارباً أو سارقاً، فكان أحياناً يترك معه ختماً أو علامة ليعلم أصحاب الأراضي المجاورة أنه في مهمه رسمية لسيده، ولكن أوروبا ثارت على هذا النظام، وظهرت الليبرالية الاقتصادية وظهر معها شعار «دعه يعمل...دعه يمر»، فأصبح الإنسان يتنقل من مكان إلى آخر من دون أختام على جسمه أو أوشام على رقبته أو كُرات حديدية مربوطة في قدميه كظله أو كزوجته.ولكن يبدو أن هذا النظام لم يصل لدول الخليج، فكل الوافدين الذين يعملون في السلك الحكومي لا يستطيعون أن يخرجوا من منافذ الدولة من دون ورقة «الخروجية»، وهي ورقة تحمل رسالة لموظف الجوازات أن يسمح لحاملها بالعبور حيث تشهد بأنه ليس سارقاً أو مطلوباً لوزارته أو أي جهة أخرى، بمعنى أن القاعدة هنا أن الموظف الوافد «متهم حتى تثبت براءته»، و«ليس بريئاً حتى تثبت إدانته»!!، وهذا لعمري في القياس عجيب.قل لي بالله عليك لو أراد الوافد أن يسرق فهل تمنعه ورقة «الخروجية»؟، لا والله والدليل على ما أقول أن بعض الوافدين سرقوا وعبروا، وبعض المواطنين والذين طبعاً لا يحتاجون «خروجية» لثقتنا التامة فيهم، لم تمنعهم تلك الثقة من أن يكونوا من الذين «هبروا» وعبروا أيضاً، لذلك أعتقد أن هذه الورقة لا فائدة منها سوى تعطيل الأبرياء.ولا أدري ما إذا كانت هذه المسألة تشغلني حقاً، أم أنها لا تهمني أصلاً، فالواقع أيها القارئ الهمام يا من تشكو الزحام وسرقة اللئام، ان ما يشغل بالي حالياً موضوع أكثر أهمية، ولكنني نسيته الآن!، فيبدو أنني أعاني من أعراض زهايمر وأحتاج إلى «خروجية» من هذا المقال.****قصة قصيرة:وقف معلم العلوم أمام مجسم الإنسان، ثم سأل طلابه وهو يشير إلى الهيكل العظمي المعلق: أين يوجد القلب؟فأشار أحدهم للقفص الصدري.ثم سأل المعلم: وأين يوجد العقل؟فقالوا جميعاً... في الشعب الحر.كاتب كويتيmoh1alatwan@
مقالات
خواطر صعلوك
الذين عبروا... والذين «هبروا»!
محمد ناصر العطوان
02:04 م