تقترب لعبة «عضّ الأصابع» السياسية التي غرق بها لبنان في الأسابيع الماضية من مرحلة حاسمة مع ملامسة الواقع المعيشي والاقتصادي والصحي «الخط الأحمر»، الذي يُخشى أن يفضي إلى انهيار الوضع اللبناني من «خاصرة رخوة» لم يتوقّعها أحد.وبدا واضحاً امس أن غالبية القوى السياسية اللبنانية لم تعد تملك «ترف» الاستمرار في عملية شدّ الحبال من فوق «هاويةٍ» يكاد لبنان أن يقع فيها، بعدما بلغت أزمة النفايات التي «تغزو» شوارع العديد من المناطق، حدّ التهديد بكارثة صحية باتت أقرب مما توقّعها مَن حذّروا منها، في حين يشي الفشل في توفير غطاء قانوني لصرف رواتب نحو نصف مليون لبناني يعملون في القطاع العام للشهر المقبل، بـ «مأساة» اجتماعية - اقتصادية قد تصيب فئة واسعة من الشعب اللبناني يمكن أن تجد نفسها ضحية سابقة لم تعرفها البلاد، حتى في عزّ الحرب الاهلية، من دون إغفال الاستحقاقات المالية الداهمة للدولة التي تستدعي إصدار سندات «يوروبوند» لإيفاء التزاماتها المالية الخارجية، وقبول هبات وقروض ميسرة بمئات ملايين الدولارات قبل خسارتها، وسط تحذيرات من شبح مخاطر مالية بحال استمرّت دورة التعطيل لعمل المؤسسات، والتي دفعت البلاد «ثمنها» باستمرار تراجع التصنيف الائتماني الدولي للبنان.وانطلاقاً من هذه الوقائع المخيفة، ارتسمت مجموعة مؤشرات الى أن غالبية القوى السياسية ستسعى الى استخدام المخاطر المتصاعدة، كعامل ضغطٍ للدفع نحو فصل الأزمات المتصلة بالمواطنين، عن الكباش السياسي الذي كان اتخذ منحى تصادُمياً غير مسبوق منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، وذلك على خلفية التمديد الذي حصل للقادة العسكريين، لا سيما قائد الجيش العماد جان قهوجي، وسط اعتراض بالصوت العالي وفي الشارع أطلقه زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الذي يواصل استخدام لعبة التعطيل الحكومي ،في سياق الضغط لبلوغ مخارج تضمن بقاء صهره العميد شامل روكز في الخدمة (يحال على التقاعد في اكتوبر المقبل)، وتالياً تحفظ حظوظه بتولي قيادة المؤسسة العسكرية، وذلك من خلال إصراره على اعتماد التوافق الإجماعي كآلية لاتخاذ القرارات داخل مجلس الوزراء، وعلى مشاركة رئيس الحكومة في وضع جدول الأعمال مع التمسك بأن يبدأ بقضية التعيينات العسكرية.وعاشت بيروت، أمس، أجواء ان رئيس الحكومة سيوجّه اليوم دعوة الى جلسة لمجلس الوزراء الخميس المقبل، لبتّ مجموعة القضايا الملحّة المتصلة سواء بملف النفايات (في ضوء ما يكون أفضى اليه فض العروض للمناقصات المتعلقة بالنفايات المنزلية الصلبة يوم الثلاثاء)، او رواتب الموظفين والاستحقاقات المالية الداهمة.وأبلغت اوساط مطلعة «الراي» أنه في ضوء استمرار المرواحة في ما خص إيجاد مخرج لملف التعيينات العسكرية والتشابُك الحاصل بين هذا الملف وبين مسألتيْ فتح دور استثنائية للبرلمان والتفاهم على مقاربة موحّدة لعمل الحكومة التي ورثت صلاحيات رئاسة الجمهورية، فان الواقعية تقضي بمحاولة «فك التلازُم» بين هذه الأزمة المتشعبة وبين مشكلات الناس، حيث ستشكّل الجلسة المرجّحة الخميس اختباراً لكل القوى السياسية، لا سيما العماد عون الذي بحال أصرّ على رفْض بحث البنود الطارئة وتمريرها، سيتحمّل امام اللبنانيين مسؤولية دفعهم الى الكارثة في اطار حسابات سياسية وشخصية، سيكون من الصعب الدفاع عنها أمام الرأي العام الذي تسوده حال غضب عارم، بإزاء ما بلغته الامور.وبحسب هذه الاوساط، فان الرئيس سلام لم يعد في وسعه البقاء في حال الانتظار، وانه بعد «استراحة الاسبوع» التي أعطاها للحكومة إفساحاً في المجال امام الاتصالات، فانه سيستعيد زمام المبادرة مستفيداً من دعم غالبية مكونات الحكومة لخيار «إنقاذ» البلد من مخاطر الانهيار، وأنه انطلاقاً من ذلك سيؤكد في مستهل الجلسة المرتقبة تمسُّكه بروحية التوافق ولكن المنتِج ، وإنه بحال لمس إصراراً على التعطيل، فإن «تصويت الضرورة» سيكون أمراً لا مفرّ منه على قاعدة «آخر الدواء الكي» في ضوء الطبيعة الملحّة لبعض البنود والتي تصيب اللبنانيين في لقمة عيشهم وصحتهم.ودعت هذه الاوساط الى ترقُّب موقف وزراء رئيس البرلمان نبيه بري في مثل هذه الجلسة، وسط توقُّع انه سيدعم خيار سلام، خصوصاً أن الودّ المفقود بينه وبين عون ما زال على حاله على خلفية تشكيك زعيم التيار الحر بشرعية البرلمان وعرْقلته فتح الدورة الاستثنائية لمجلس النواب.