لعلّها المرة الأولى واقعياَ التي تتنامى فيها المخاوف في لبنان من تَفاقُمٍ شديدِ الخطورة في الأزمات الاجتماعية والخدماتية والاقتصادية الى حدودٍ غير مرئية بفعل ما يشبه الاعلان المقنّع عن إصابة حكومة الرئيس تمام سلام بعُطب دائم.ذلك أن مجريات الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء يوم الخميس أثقلت بقّوة على المشهد السياسي والشعبي ،بعدما كشفت استعصاء الأزمة الحكومية على أيّ حلٍّ وشيك من شأنه أن يبقي على الأقل دورة الانتظام الحكومي في حدودٍ دنيا تكفل تسيير الأمور الملحة والطارئة. ولكن هذا الهامش بدا بدوره كأنه سقط بفعل حدة التصعيد والاستقطاب السياسييْن بما حال على سبيل المثال دون تمكُّن وزير المال علي حسن خليل من الحصول على موافقة مجلس الوزراء على بتّ الإجراء الضروري لدفع الرواتب للموظفين في القطاع العام.وغداة هذه الجلسة، سادت الأوساط الوزارية والسياسية أجواء ضياع حقيقية حيال المستقبل القريب للحكومة وما يمكن أن يتركه تعطيلها وشلّها من تداعيات مخيفة في وقتٍ تتصاعد فيه أزمات النفايات والكهرباء خصوصاً، مضافاً اليها شبح أزمات أخرى إضافية تهرول بسرعة منذرة باضطرابات اجتماعية.وحمَلت مصادر وزارية في فريقيْ «14 آذار» والمستقلين بعنف بالغ على زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون متهمة إياه باستكمال مخطط شلّ المؤسسات الدستورية تباعاً وصولاً الى الفراغ الشامل، من دون أن تبرئ «حزب الله» من تبعة دفع البلاد الى هذه الهوة.وقالت المصادر لـ «الراي» إن فشل عون المتكرر والثابت في تعبئة أنصاره ،والذي انكشف مرة اخرى قبل يومين في هزالة التجمع الشعبي في وسط بيروت، سعى الى التعويض عنه من خلال اندفاعته الى شلّ الحكومة، تماماً كما برز في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التي تحوّلت ساحة منبرية للسجالات المستفيضة التي حالت دون فتح ملف أي من الأزمات المتمادية حتى أزمة النفايات.واعتبرت المصادر نفسها أن عون لم يشأ إظهار أي مرونة رغم علمه بعقم مضيّه في التصعيد ،توطئةً منه للمشهد الذي أعدّه «حزب الله» لمناسبة احيائه امس ذكرى «النصر» على اسرائيل عبر الاحتفال الذي أقيم عصراً في وادي الحجير (جنوب لبنان) والذي أعدّ فيه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله خطاباً كان سُرب بعض مضمونه سلفاً لجهة الإشادة بالعماد عون وإعلان دعمه له بقوة، قبل أن يطلّ «الجنرال» في مقابلة بُثت ليلاً عبر قناة «المنار» التابعة للحزب وردّ فيها التحية لنصرالله بمثلها.وقالت المصادر إن الأوساط السياسية انتظرت هاتين المحطتين لتبيُّن المدى الذي سيبلغه «حزب الله» في دعم حليفه عون، وما اذا كان الحليفان سيمضيان قدماً في شلّ الحكومة شلاً نهائياً، ام ان الحزب سيقوم بخطوات احتوائية لاحقاً لمنع انهيار الواقع الحكومي لأن خطر هذا الانهيار صار أمراً محققاً ما لم تحصل فرملة للانحدار.وفي وقت لا تزال بعض الجهات في قوى 8 آذار تؤكد أن الحزب لن يترك الأمر يبلغ حدود تهديد استمرار الحكومة، فإن عاملاً لافتاً سُجل في الساعات الاخيرة وتمثل في اتجاهات لدى قوى 14 آذار لدفع رئيس الحكومة تمام سلام الى تصليب موقفه في مواجهة التعطيل ،من خلال التشديد على استعمال صلاحياته في طرح جدول الاعمال على الجلسة وعدم التهاون مع الفريق المعطّل.وتشير المعطيات في هذا السياق الى أن الأكثرية الحكومية المتمثلة بـ 18 وزيراً لن تقبل باستمرار الدوامة على هذه الحال، وأن مطلع الاسبوع المقبل سيشهد حركة كثيفة في هذا الاتجاه سيكون من أهدافها أيضاً حشْر «حزب الله» في خانة الخيارات الواضحة والمحددة، فإما يترجم شعاره بالحفاظ على الحكومة أو ينكشف الأمر عن ازدواجية وتوزيع أدوار، وحينها يبنى على الشيء مقتضاه.وكان بارزاً في سياق متصل ما رشَح عن المداولات التي جرت في باريس بين الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري وبين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط لجهة التوافق على تفعيل العمل الحكومي والتشريعي، وتأكيد عدم الرجوع عن قرار التمديد لقائد الجيش ورئيس الأركان والأمين العام للمجلس الاعلى للدفاع مع رفض خيار رفع سنّ التقاعد للضباط نظراً الى ما يرتّبه من أبعاء مالية ولتأثيره على هرَمية المؤسسة العسكرية، وايضاً عدم تحبيذ خيار ترقية عشرة ضباط الى رتبة لواء بمَن فيه صهر عون العميد شامل روكز لما يمكن ان يترتب عليه من اختلال في التراتبية العسكرية.وفيما اعتُبرت هذه الخلاصة للقاء الحريري - جنبلاط مؤشراً الى أن الفريق المناهض لعون لن «يستسلم» لمنطقه التعطيلي والى «موت» المبادرة التي يعمل عليها المدير العام للامن اللواء عباس ابرهيم لتأمين مخرج لعون يحفظ له ماء الوجه في ملف التعيينات العسكرية (تقوم على رفع سن التقاعد)، كشف رئيس «التقدمي» في تصريح صحافي «ان اللقاء مع الرئيس سعد الحريري كان إيجابياً جداً واتفقنا على أهمية تمتين الاستقرار الداخلي والتأكيد على استمرار الحوار وتفعيل عمل الحكومة بالتزامن مع فتح دورة استثنائية لمجلس النواب».وحول المشروع المتعلق برفع سن التقاعد للعسكريين، قال: «نحن معترضون عليه لأنه يرتّب أعباء كبيرة على الخزينة وهذه بدعة، لأننا بدل أن نكون أمام 400 عميد نصبح أمام 800 عميد، لذلك لا مفر من التمديد»، موضحاً رداً على سؤال عن مستقبل الحكومة انه «رغم كل شيء، لم تنتهِ الحكومة، وعلى المرء أن يعتاد على الارتجاجات»، متفادياً في سياق آخر الردّ على «الاستفزازات والتحديات» التي يحاول البعض إثارتها في الشارع.