الدراما ليست وسيلةً للترفيه والتنوير... بل للعلاج أيضاً!والعلاج بالدراما تخصص علمي معروف في العالم المتقدم، اتخذت منه الباحثة فاطمة حسين القدفان - طالبة الماجستير في جامعة «كنساس» الأميركية - طريقاً لمستقبلها، راسمةً لنفسها خطاً يجمع بين المسرح والعلاج النفسي، لتساعد الكثيرين ممن يعانون اضطرابات نفسية معينة، أو يحتاجون إلى تعزيز مهارات التواصل لديهم «الراي» تحاورت مع القدفان التي حطّت رحالها أخيراً في مؤسسة «لوياك»، حيث قدّمت ورشات عمل لمنتسبيها مزجت خلالها بين عناصر درامية ونظريات وطرق العلاج النفسي.وقالت القدفان إنها عملت أكثر من 250 ساعة في مجال العلاج الدرامي مع ذوي الاحتياجات الخاصة، كما عملت أيضاً مع البالغين لتنمية وتطوير مهاراتهم في مجالات التواصل والإبداع.وتحدثت عن خبايا مجال «العلاج بالدراما»، وكشفت عن فوائده وآثاره في المتلقين، والتفاصيل في هذه السطور:• حدثينا بدايةً عن العلاج بالدراما؟- العلاج بالدراما «the intentional use» هو الاستخدام المتعمد لأسس المسرح لتحقيق أهداف علاجية، حيث ثبت أن العلاج بالدراما أكثر فعالية من الكلام والعلاج النفسي «psychotherapy»، فالإنسان يميل إلى الحركة في حل المشاكل واتخاذ القرارات، فتوفر الدراما إطاراً للمشاركين كي يرووا قصصهم، ويحددوا أهدافاً لأنفسهم ويحلوا مشاكلهم ويعبروا عن مشاعرهم.• ما الفائدة المرجوة منه؟- بعض فوائد العلاج بالدراما مع الأطفال تشمل الحدّ من مشاعر العزلة، وتطوير مهارات التأقلم، وتوسيع نطاق التعبير عن المشاعر، وتقدير الذات، وزيادة العفوية، وتطوير العلاقات. كما يوفر العلاج بالدراما وسيلة مناسبة تنموياً لشرح حدث ما للأطفال والمراهقين، في حين الأساليب اللفظية وحدها قد لا تكون كافية فنتطرق إلى الخيال ونكلم الطفل بلغته، وهي لغة اللعب.• ما سبب اختيارك هذا التخصص تحديداً؟- أنا درستُ في مدارس تتبع النظام التعليمي البريطاني، إذ كانت مادة المسرح أساسية من المراحل الأولى. كنتُ خجولة إلى حد أنني أستصعب الصعود على خشبة المسرح، ولكن مع مرور السنين انجذبت إلى مجال تصميم الإضاءة، وبعد ذلك وجدتُ طريقي إلى الإخراج، وفي المرحلة الجامعية جاءتني الفرصة للمشاركة في إخراج أكثر من مسرحية كمساعدة مخرج «assistant director». كلمة المعالجة لم تكن في قاموسي لكنني كنتُ أشعر بالراحة أثناء عملي في المسرح، وبعد التخرج عملتُ في مجالات متنوعة بين الصحافة والمتاحف والإعلام، وكانت لدي رغبة في متابعة دراستي في مجال الإخراج المسرحي، وأثناء عملي في «دار الآثار الإسلامية» أعارتني سلام قاوقجي فيلماً وثائقياً من إخراج المعالجة زينة دكاش، وهذا الفيلم كان السبب في تغير توجهي من الإخراج إلـى المعالجة الدرامية.• هل تحدثيننا عن دراستك في جامعة «كنساس»؟- حصلت على بعثة دراسية من جامعة «كنساس» الأميركية، وكان ضمن شروط بعثتي أن أعمل في الجامعة نظراً إلى خبرتي في الإعلام والتسويق، وعينتني الجامعة مديرة تسويق للمسرح. أما بالنسبة إلى الفصول الدراسية فنحن مطالبون بإكمال 3 أو 4 مواد في كل فصل دراسي تتضمن أساسيات «العلاج الدرامي، الأدب المسرحي، الدراما الإبداعية،علم النفس، وتسوية النزاعات»، وفوق ذلك أحتاج إلى 800 ساعة عمل ميداني للتخرج. لذلك أعمل مع مجموعات مختلفة منها مسرح «Barrier Free»، حيث يتقابل المعالجون الدراميون مع أفراد من المجتمع مرة كل أسبوع من أجل تأليف مسرحية تتلاءم مع الجميع بغض النظر عن احتياجاتهم الخاصة أو إعاقاتهم وقدراتهم، وتتراوح أعمار المشاركين بين 18 و80 عاماً. كما لديّ أيضاً زيارة أسبوعية للصف العلاجي في إحدى المدارس الابتدائية المحلية، حيث نتواصل مع الطلبة الذين يعانون التوحد.• وما المجالات التي يعمل فيها المعالجون بالدراما؟- بصفة عامة يعمل المعالج بالدراما في مجال الصحة مع ذوي الاحتياجات الخاصة أو المسنين، والبعض يعمل في التعليم، وآخرون في السجون ومراكز علاج الإدمان ومراكز إعادة التأهيل وإزالة السموم. والمجال مفتوح أيضا للتعامل مع الأزواج والأسر، وحتى مع الأطفال بصفة فردية.• كيف تمّ التعاون مع مؤسسة «لوياك» في الكويت؟- خلال أحد المؤتمرات التي أقيمت في ولاية كاليفورنيا، التقيتُ عضوةً في مركز «لوياك» في لبنان، وعن طريقها تعرفتُ على رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في مؤسسة «لوياك» الكويت فارعة السقاف، فتواصلنا عبر الـEmail، ووجدتُ منها تشجيعاً ودعماً واهتماماً، في شأن التنسيق مع فريق عمل «لوياك»، والتعاون في شأن إقامة ورشة عمل للأطفال، وورشة لعمر الـ 18 وما فوق.• وماذا عن ورشات العمل التي قدمتِها مع «لوياك»؟- ورشاتي مع «لوياك» دمجت لعب الأدوار بالقصص بالارتجال بغيرها من التقنيات التي أُخذت من المسرح، ومزجتُها مع نظريات وطرق العلاج النفسي.• ما تقييمك للطلبة الذين شاركوا فيها؟- الطلبة في الكويت لديهم طاقة جيدة وحيوية ونشاط ملحوظ، لكن البعض يفتقد أسس التواصل والالتزام، ومع الأسف هناك فئة كبيرة من المجتمع تخاف من الطب النفسي والمعالجة - therapy -، فمعظم الأهالي لا يتيحون لأطفالهم فرصة الخوض في ورش غير تقليدية تتطرق إلى مواضيع تعتبر في مجتمعنا حساسة.• كيف ساعدتك دراستك في هذا المجال بصفة شخصية؟- أنا أحب العمل مع الناس واستطعتُ أن أجمع بين حبي للمسرح وشغفي بالمساهمة بشكل إيجابي في المجتمع.• العلاج النفسي في الكويت يواجه تحفظات. هل سيكون العلاج بالدراما مختلفاً؟- عندما نتحدث عن الصحة العقلية والنفسية في الكويت يمزج الناس بين المهن التالية: psychiatrist وpsychologist وcounselor وtherapist. والاختلافات بين هذه المهن ليست واضحة لعدم وجود مؤسسة رقابية إشرافية لهذه التخصصات على مستوى الدولة، ما يسبب قلقاً في شأن السِّرية، بالإضافة إلى شرعية الممارسين والتكلفة المتزايدة في العيادات الخاصة، حيث إن العلاج النفسي قد يكون مخيفاً، لكن العلاج بالدراما يعتمد على اللعب والحركة فيستقطب أناساً أكثر، كما يسمح للناس باكتشاف مشاكلهم بأنفسهم واستنتاج الحل الذي يناسبهم.