يستقيل، لن يستقيل، ربما يعتكف وربما لا. هكذا بدا حال رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام عشية جلسة مجلس الوزراء التي دخلت امس في سباق بين انعقادها في موعدها المحدّد اليوم او تأجيلها تفادياً لقرارٍ من رئيس الحكومة يقلب الطاولة على الجميع بعدما تداخلتْ أزمتا آلية عمل الحكومة الرئاسيّة والنفايات لتضعا لبنان أمام مأزق فعلي ينذر بانزلاقه الى «المحظور» في لحظة إقليمية «رمادية» تشهد عملية إعادة «تنظيم صفوف» وترتيب أوراق لملاقاة مرحلة ما بعد الاتفاق النووي بين ايران والمجتمع الدولي.وفيما كانت كارثة النفايات في بيروت تتحوّل «كرة ثلج» متفجّرة وسط توتّرات على الأرض وأفق مسدود في الحلول لايجاد مخارج سريعة لها، شهد لبنان منذ ما بعد ظهر امس محاولات لإقناع الرئيس سلام بإرجاء جلسة مجلس الوزراء اليوم نتيجة عدم حصول اي خرق في الاتصالات الرامية الى التوصل الى صيغة لمقاربة عمل الحكومة بعيداً عن منطق التعطيل والمس بصلاحيات رئيس الحكومة بوضع جدول أعمال الجلسات وتالياً تلافي دفْعه الى تنفيذ ما كان لوّح به في الايام الماضية باستخدام ورقة الاستقالة او الاعتكاف بما يضع الجميع امام مسؤولياتهم وتحديداً فريق العماد ميشال عون المدعوم من «حزب الله» والذي يصرّ تحت عنوان «حقوق المسيحيين» على اعتماد آلية لاتخاذ القرارات الحكومية ووضع جدول الاعمال تعني عملياً شلّ السلطة التنفيذية و«إشراك» الوزراء مع رئيسها في صلاحيات لا يشارك فيها حتى رئيس الجمهورية.وعلى وقع «الهلع» الدولي من امكان تقديم سلام استقالته وخطر تحوُّل لبنان «دولة فاشلة» مع انحلال آخر المؤسسات العامِلة في النظام، شكّلت أزمة النفايات «صاعقاً تفجيرياً» لم يساعد على تفكيك المأزق الحكومي، في ظلّ ما أفرزته هذه الأزمة من تعقيدات تَداخل فيها الحزبي والسياسي والمناطقي، سواء لجهة منطق «نفايات بيروت لا تعنينا» او قطْع طرق كما حصل عند تقاطع الجية - برجا على الأوتوستراد الذي يربط العاصمة باقليم الخروب وصيدا والجنوب والذي تم قفله لأكثر من 24 ساعة قبل ان يعاد فتحه امس بعد وعود بأن منطقة الاقليم وتحديداً سبلين لن «تستضيف» النفايات المتراكمة في شوارع بيروت.وكادت «فاجعة» النفايات في بيروت ان تحجب الأزمة الحكومية، حتى ان السرايا الحكومية تحوّلت ما يشبه «خلية طوارئ» في محاولة لابتكار مخارج تُنقِذ العاصمة من أطنان النفايات التي تغرق فيها منذ أكثر من اسبوع والتي حوّلت أهلها أسرى تلال من الأوساخ التي تستوطن شوارعها في مشهد مريع وحزين بدت معه بيروت متروكة لـ «مصيبتها».وبين اتصال عربي ودولي لحضّ سلام على عدم الاستقالة والتحلي بالمزيد من الصبر وانتظار ما ستفسر عنه زيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لطهران هذا الاسبوع، كان رئيس الحكومة ينتقل من اجتماع الى آخر لمواكبة ملف النفايات وذلك غداة فشل كل الاتصالات واللقاءات لإقناع اهالي منطقة اقليم الخروب ورؤساء بلدياتها باستقبال قسم من نفايات بيروت موقتاً وفق ما كان جرى توافق عليه بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط ورئيس البرلمان نبيه بري، وهو ما ضيّق هامش الخيارات الى حدود التفكير بحلول «غريبة» مثل ردم البحر في خلدة سرعان ما قوبلت باعتراضات صعّبت اعتمادها.وشكّلت هذه الأزمة، التي لفت اعتبار جنبلاط انها «معركة تُطبق حيالها حتى الآن سياسة السلاح الابيض» والتي تشي بمضاعفات بيئية وصحية وسياسية، عاملاً ضاغطاً ربما يفرمل اتخاذ رئيس الحكومة أي قرارات دراماتيكية في ما خص المأزق الحكومي الذي تفاقم بعد كلام الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله وتحذيره سلام من استقالة «لا تقدم ولا تؤخر وتدفع الى المجهول»، في ظلّ اندفاعة دولية وعربية نحو رئيس الوزراء اللبناني لثنيه عن فكرة الاستقالة، ومساعٍ داخلية لحضّه على إرجاء جلسة اليوم لإفساح المجال امام المزيد من الاتصالات.وفيما استقبل سلام امس في هذا السياق كلاً من المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ والسفير البريطاني توم فلتشر، كان الأبرز ما كُشف عن ان رئيس الحكومة تلقى يوم الأحد اتصالاً من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بعيد الاتصال الذي جرى بين الأخير وبين الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان.وبحسب صحيفة «اللواء»، فان هولاند أبدى تفهمه لمواقف سلام، مقدّراً له الدور الوطني الذي يقوم به، ومتمنياً عليه صرف النظر عن الاستقالة والاستمرار بمسؤولياته الدستورية، متعهداً بأن تبذل فرنسا كل جهد ممكن لمساعدة لبنان في الخروج من الأزمة السياسية الراهنة.وتقاطعت خطوة هولاند مع التقارير التي تحدثت عن ان السفير الأميركي ديفيد هيل مدّد وجوده في بيروت لأسابيع قليلة قبل الانتقال الى مهمته الجديدة في باكستان وذلك لمواكبة الوضع اللبناني عن كثب، فيما دخلت مصر على الخط من خلال ما كشفه الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية بدر عبد العاطي عن ان رئيس الديبلوماسية المصرية سامح شكري كان أجرى اتصالا مع سلام حيث أكد دعم القاهرة الكامل للحكومة حرصا على استقرار لبنان، موضحاً ان شكري يتابع الاتصالات «حرصاً على تسوية التأزم الأخير على الساحة اللبنانية فضلا عن إبقاء لبنان في منأى عن التأثر بتدهور الوضع الإقليمي».
خارجيات
هلع دولي من احتمال استقالة سلام ومساعٍ لإرجاء جلسة اليوم
«فاجعة» النفايات في بيروت... مكانك راوِح
أكوام النفايات في أحد شوارع بيروت أمس (ا ب)
05:21 م