اقتربتْ الأزمة الحكومية في لبنان من مفترق قد يكون الأخطر منذ نشوء أزمة الفراغ الرئاسي قبل سنة و3 أشهر، منذرةً للمرة الاولى بواقع دستوري وسياسي من شأنه ان يفتح البلاد على واقع فوضوي.وتداخلتْ بقوة في الساعات الـ 48 الماضية العوامل الضاغطة سياسياً، مع أسوأ أزمة نفايات أثارت النقمة العارمة في كل المناطق اللبنانية، ولا سيما في بيروت، بفعل العجز الحكومي عن احتواء المشكلة التي تحولت كارثة بيئية في عزّ موسم الاصطياف الى حدود غير مسبوقة اضطر معها رئيس الحكومة تمام سلام الى التفرغ طوال يوم أول من أمس، والى منتصف ليله، لإجراء مروحة واسعة من الاتصالات والجهود مع مختلف القيادات السياسية، ولا سيما رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط وآخرين لتأمين تغطية سياسية لحلّ موقّت يجري بموجبه نقل آلاف أطنان النفايات التي غطت شوارع بيروت وأحيائها الى مكبات موقّتة في المناطق لفترة أسبوعين فقط، ريثما يبدأ تلزيم شركات تنفيذ خطة حكومية جرى وضعها سابقاً لحلّ الأزمة.وحصل سلام على التغطية السياسية المطلوبة وأصدر بياناً بهذا المعنى منتصف ليل أول من أمس، وبدأ جمع النفايات على الأثر من بيروت ومناطق جبل لبنان، ولكن عقبات جديدة برزت أمس،مع اعتراضات شعبية في بعض المناطق ومنها اقليم الخروب (ساحل الشوف) حيث اعتصمت مجموعات من المواطنين على الطريق الرئيسة في بلدة الجية ومنعت شاحنات نقل النفايات من الوصول الى مناطق حُددت لها لإفراغ حمولاتها، الأمر الذي تسبب بقطع طريق بيروت صيدا وسدّ منافذ الشوف الاعلى وتحوّلت هذه المنطقة «سجناً» للسيارات التي علقت على الطرق.ووسْط هذه الاجواء الخانقة التي سيطرت على البلاد، تصاعدت ملامح الأزمة السياسية عشية الموعد المقرر لجلسة مجلس الوزراء غداً في ظل عامليْن أساسييْن: الاول مضي الأوساط القريبة من الرئيس سلام بالتلويح بانه قد يقدم على تقديم استقالته اذا استمرت عملية تعطيل مجلس الوزراء ومحاولة الانتقاص من صلاحيات رئيس الحكومة بفعل الشروط والقراءات التي يطرحها فريق ميشال عون في شأن آلية عمل مجلس الوزراء، والتي بات سلام والقوى الرافضة للشروط العونية يعتبرون انها تنطوي على ملامح محاولات متقدمة لتغيير قسري في طبيعة «اتفاق الطائف» تحت عنوان فضفاض هو «تحصيل حقوق المسيحيين» من خلال توسيع صلاحيات الوزراء الى حدود مشاركة رئيس الحكومة في وضع جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء.والعامل الثاني تمثّل في إسقاط الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله اي تحفظ أو لَبْس عن دعمه لحليفه العوني في هذه المواجهة من خلال إعلانه في الكلمة التي ألقاها مساء أول من أمس، ان الحزب ليس وسيطاً بل هو طرف الى جانب حليفه.واتخذت كلمة نصرالله واقعياً طابعاً تصعيدياً فاجأ كثيرين لجهة تصديه مباشرة للرئيس سلام، محذراً إياه من الاستقالة «التي لن تقدم ولن تؤخّر في شيء»، ومحمّلاً إياه وفريق تيار «المستقبل» تبعة الفراغ الحكومي وما أسماه «اللعبة الخطرة التي تدفع البلاد نحو المجهول»، ورامياً كرة المسؤولية عن معالجة مطالب عون في مرمى «تيار المستقبل»، داعيا إياه الى ما سمّاه «النزول من برجه العاجي والحوار مع الفريق العوني حول مطالبه».ومع ان سلام وأوساطه تجنّبوا الردّ مباشرة على نصرالله، فإن الأجواء التي سادت المناخ الداخلي أمس، بدت متجهة الى مزيد من التشنج والاحتدام والسخونة، ما يصعب معه رسم سيناريو مسبق لمسار الأزمة والنتائج التي ستؤدي اليها جلسة مجلس الوزراء غداً.وتكثّفت اللقاءات في السراي الحكومي رغم عطلة نهاية الاسبوع، كما فُهم ان الخطوط ظلت مفتوحة بين السراي وبري والنائب جنبلاط والحريري وقيادات في «قوى 14 آذار» فضلاً عن تلقي سلام اتصالات ديبلوماسية عربية وغربية عبر السفراء المعنيين ولا سيما سفراء الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والمملكة العربية السعودية. وتركزت مجمل هذه الاتصالات على حضّ سلام على تجنّب خطوة الاستقالة.وفي ظل ذلك، استبعدت الاوساط نفسها «بلوغ الأزمة حدود الاستقالة الفعلية لسلام ولو ان رئيس الحكومة لم يقطع اي خيار او احتمال قبل انعقاد جلسة الغد وترقّب مجرياتها»، مشيرة الى ان «زوار السراي من وزراء وسياسيين في الساعات الاخيرة لم يخرجوا بانطباعات متفائلة ابداً، ولكن قنوات الاتصالات بدت كأنها في حالة استنفار قصوى لتجنّب بلوغ الأزمة حدود اللاعودة التي تشكّلها استقالة سلام في حال حصولها».وفهمت «الراي» من مصادر قريبة من سلام ومن زواره ان «رئيس الحكومة، الذي يُبقي كل الاحتمالات مفتوحة عشية الجلسة الحاسمة لمجلس الوزراء غداً، يقارب المأزق الحالي بحكمة عالية كما تعوّد، وهو لم يُعرف عنه التهوّر، وتالياً فانه سيتخذ الموقف النهائي في ضوء المصلحة الوطنية ومصلحة الناس وصلاحياته كرئيس للسلطة التنفيذية ودور حكومته الاستثنائي في ظل الشغور الرئاسي».وقالت هذه المصادر لـ «الراي» ان «سلام يأخذ في الاعتبار مساعي الخارج والداخل لحضّه على عدم الاستقالة نظراً الى التحديات التي تواجه البلاد، وهو يفسح المجال امام المساعي لتَجاوُز المأزق الحالي على قاعدة رفْضه المطلق لتعطيل مجلس الوزراء كسلطة تنفيذية تقع عليها مسؤولية إدارة شؤون البلاد».ورأت المصادر نفسها ان «الرئيس سلام يريد مقاربة متحرّكة لعمل مجلس الوزراء تبعاً للمعطيات السياسية، وخصوصاً بعدما حرص في ظلّ الشغور الرئاسي على الاجماع الذي أدى الى التعطيل ما دفع الى اعتماد مقاربة أخرى قبل 4 أشهر لم تُخرِج الحكومة من التعطيل ايضاً، الأمر الذي يضع الجميع أمام مسؤولية البحث عن مَخرج».وعلمت «الراي» ان «المساعي الجارية والتي لم ترْقَ الى مستوى المبادرة لكسْر المأزق، لم تؤد الى اي انفراج او حلحلة، الأمر الذي يجعل من جلسة الغد غامضة النتائج في حال لم يَحدث أي اختراق في الساعات المقبلة، من دون استبعاد لجوء سلام الى الاعتكاف بعد مكاشفة اللبنانيين بخطاب يضع جميع القوى السياسية أمام مسؤولياتها».
خارجيات
سلام يواجه الجلسة الوزارية بمعادلة «الخروج من التعطيل أو الاعتكاف»
«لمْلمة» سياسيّة لكارثة النفايات تصطدم بالشارع اللبناني
05:22 م