أصدرت محكمة التمييز برئاسة المستشار نايف المطيرات وعضوية المستشارين عبدالناصر خريبط وهشام عبدالله حكما بالغاء حكم محكمة الجنح المستأنفة القاضي بحبس رئيس تحرير جريدة السياسة احمد الجارالله سنة مع الشغل والنفاذ والقضاء مجددا ببراءته من تهمة الاساءة للرسول صلى الله عليه وسلم عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر.وفي ما يلي تنشر «الراي» أبرز ما جاء في حيثيات الحكم:البين من الحكم الابتدائي الذي اعتنق اسبابه الحكم المطعون فيه أنه قد خلت اسبابه من بيان توافر القصد الجنائي العام في جانب المتهم (الطاعن) بعنصرية الارادة والعلم، وخلت مما يفيد اتجاه إرادة الجاني الى اذاعة عبارات تتضمن تحقيرا أو تصغيرا للدين عالي الشأن مع علمه بذلك، أو الرد على ما تمسك الطاعن من حسن النية، ولا يصلح ردا على ذلك ما ورد بالحكم المطعون فيه من قول ان المتهم (الطاعن) رئيس جريدة يملك ناصية الكلام ويمسك بزمام الالفاظ، وهو رد قاصر لا يستفاد منه توافر القصد الجنائي لديه سواء العام أو الخاص، وهو قصد التحقير أو التصغير للدين، إذ انه وان كان استظهار توافر القصد الجنائي من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع إلا أنه متى نازع المتهم في قيام هذه النية لديه تعين عليها أن تورد في حكمها ما يدل على توافرها وان يكون تدليلها على ذلك سائغا وكافيا في حمل قضائها في هذا الشأن، لما كان ذلك ولئن كان الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع ايرادا له أوردا عليه رغم جوهريته واتصاله بواقعة الدعوى وتعلقه بموضوعها وبتحقيق الدليل فيها..وحيث لما كان ما تقدم وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع محكمة الموضوع بناء على الادلة المطروحة عليها بادانة المتهم أو ببراءته، كما أنه يجب أن يكون الدليل الذي تعول عليه المحكمة مؤديا الى ما يرتبه الحكم عليه من نتائج من غير تعسف في الاستنتاج ولا تنافر مع الحكم العقل والمنطق، وان القضاء بالادانة يجب أن يؤسس على الجزم واليقين وعلى الواقع الذي يثبته الدليل لا على الظن والتخمين، وانه يكفي أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة اسناد التهمة الى المتهم لكي تقضي له بالبراءة، إذ مرجع الامر في ذلك الى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل مادام حكمها يشتمل على ما يفيد انها محصت الدعوى واحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين ادلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في عناصر الاثبات.لما كان ما تقدم، وكانت المحكمة لا تطمئن الى الركيزة الاساسية للاتهام التي ينحصر نطاق تأثيمها على محض الآراء وفقا للمادة 111 من قانون الجزاء التي ورد نصها بالاتي: «كل من اذاع، باحدى الطرق العلنية المبينة في المادة 101، اراء تتضمن سخرية أو تحقيرا أو تصغيرا لدين أو مذهب ديني، سواء كان ذلك بالطعن في عقائده أو شعائره أو في طقوسه أو في تعاليمه، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز 75 الف دينارا أو باحدى هاتين العقوبتين».لما كان ما تقدم، وكانت التغريدة التي دونها المتهم المستأنف بموقع التواصل الاجتماعي، «تويتر» ليست رأيا وانما هي تدوين بحسب علمه وفهمه لمعلومة تاريخية تتعلق بسيرة سيد الاولين والآخرين قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، وتتعلق بفترة صباه، وهي ان كانت تعوزها الدقة أو يجانبها الصواب - عن غير قصد - فهي ليست رأيا يعبر عن فكر قائلها المتهم المستأنف، وانما هي معلومة كان يعتقد المتهم المستأنف بصحتها ولم يكن موفقا في صياغتها، بالاضافة الى انها لا تتضمن تصغيرا أو تحقيرا للدين لانها تتعلق بمرحلة عمرية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين قبل بعثته ونزول الوحي عليه ولا تمس اخلاقه الشخصية وهو ذو الخلق العظيم ولا تنال من صدق رسالة وامانة التبليغ فيما اوحي اليه من ربه ولا تتعلق بنص قرآني او حديث نبوي او امر معلوم من الدين بالضرورة ولا تعد طعنا في عقائد الدين واصوله واركانه او طعنا في شعائره وتعاليمه، وانما هي خاصة بفترة من سيرته العطرة التي نقلها لنا صحابته رضي الله عنه لتطيب بشذاها نفوسنا، ولا يؤثر في مقام النبوة السامي رعيه للغنم قبل البعثة او اشتغاله بالتجارة لحساب ام المؤمنين خديجة رضي الله عنها وهو ما اختلط لدى المتهم المستأنف بأنه علاقة عمل وهي وكالة او مضاربة لحساب الغير، وكان هذا الخلط لما كان فيه من لحظة غضب وانفعال نتيجة استفزاز خصمه له وما كان ليقع فيه لو كانت نفسه هادئة، كما ان نص المادة 111 من قانون الجزاء قد خلا من النص على المساس بالرسل او الانبياء وهو نص لم يستهدف سوى الحث على توقير الاديان والمذاهب الدينية على اختلافها تجنبا لأسباب البغضاء والتشاحن بين طوائف المجتمع وايجاد سبل التوافق والتعايش بينهما.وكذلك فإن المادة 11 من القانون رقم 61 لسنة 2007 والتي تتعلق بالمرخص لهم بالبث خلت من المساس بالرسل والانبياء، وكان ما نسب للمتهم المستأنف لا يتضمن طعنا في الرسالة او التبليغ او الدين ولا يتعلق بعقائده او شعائره او طقوسه او تعاليمه، ومن ثم لا يمكن التعويل بقيام الركن المادي للجريمة المؤثمة بالمادة 111 من قانون الجزاء.فضلا عن ان الواقعة على النحو السالف بيانه لا يستوي معها القول بتوافر اركانها، اذ ان الثابت من التحقيقات وما شهد به الشاكي ان الاساءة قد وردت بتغريدته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».ولا يخفى على احد من ان التغريدات المتبادلة على «تويتر» تشبه الحديث المتبادل الذي لا روية فيه ولا مراجعة ولا تنقيح، ولا يمكن محاسبة المغرد بذلك الموقع ككاتب صحافي في مقالة، اذ ان ظروف تدوين المقالة تتيح لكاتبها اعادة مراجعتها وتنقيحها وحذف ما لا يصلح والاضافة والتعديل فيها، وانتقاء الكلمات الاصوب والافضل وهو ما لا يكون في التغريدات التي ترد بكلمات مختصرة ومحدودة، ومن ثم فلئن كان ما قام به المتهم المستأنف في تغريدته من عبارة صبي محلا للوم ادبي او استنكار من الرأي العام او استهجان من البعض، الا انها لا تبلغ فداحتها درجة الجرم الذي يستوجب العقاب بالحبس او الغرامة او كليهما، حال اعتصامه الانكار من فجر التحقيق ونفيه ان يكون قد قصد منها الاساءة لمقام النبوة وتمسكه بأنه ابتدأها بالصلاة والسلام على رسول الله مما ترى معه المحكمة ان ما قام به المتهم لا يعدو الا ان يكون خطأ في التعبير جاء كردة فعل لاستفزاز خصمه، فغاب عنه ان يستعمل لفظا اقل خشونة واكثر توقيرا واحتراما حال استشهاده بالنبي صلى الله عليه وسلم في رده عليه، ويشفع له في ذلك ما ابتدأه بتغريدته من الصلاة والسلام على رسول الله، الامر الذي لا ترى معه المحكمة قيام القصد الجنائي بحق المتهم المستأنف وانتفاء اتجاه ارادته لقصد الاساءة او السخرية للدين الاسلامي او المساس بالرسول صلى الله عليه وسلم اذ ان من اللازم في اصول الاستدلال ان يكون الدليل الذي يعود عليه الحكم مؤديا الى ما رتبه عليه من نتائج من غير تعسف في الاستدلال ولا تنافر في حكم العقل والمنطق وان العبارات تفسر بمعناها اللغوي وليس بحسب مفهومها المحلي، ووفقا لمفهومها السائد وقت وقوع الحدث ووفقا للغة مكان وقوعه، فضلا عن ان هناك اخطاء تقع عند كثير من الناس وهم لا يشعرون ويكفي ما ورد عن قول الرسول عليه الصلاة والسلام (رب كلمة يقولها المرء - لا يلقي لها بالا تهوي به في جهنم سبعين خريفا).الامر الذي ترى معه المحكمة ان الاتهام قد جاء مثقل الخطوات متقطع الانفاس مبني على الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا، يفتقد للجزم واليقين بقيام قصد الاساءة، وفق ما سلف بيانه وعجزت الاوراق عن تبينه صراحة او ان تورد الدليل على توافره، الامر الذي تنتفي معه الادلة اليقينية على ادانة المتهم المستأنف وتطمئن الى صحة دفاعه بإنكاره التهمة المسندة اليه، واعتذاره وسحب تغريدته الامر الذي ترى معه المحكمة طرح ادلة الثبوت التي اوردها الادعاء العام لعدم الاطمئنان اليها وتنتهي - بناء على ما تقدم - الى القضاء بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما اسند اليه ولما كان الحكم المستأنف قد خالف هذا الاستنتاج فإنه يتعين إلغاءه والقضاء مجددا ببراءة المتهم مما اسند اليه عملا بنص المادة 209 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية.
محليات
«التمييز» في حكم البراءة لأحمد الجارالله من الإساءة للرسول: ما قام به خطأ في التعبير وجاء كردة فعل لاستفزاز خصمه
المستشار نايف المطيرات
10:23 ص