مع اقتراب الذكرى السابعة للحادي عشر من سبتمبر تناقلت وسائل الإعلام في 2 أغسطس الجاري خبراً مثيراً بثته قناة «سي بي إس نيوز» التلفزيونية الأميركية، وقد ذكرت فيه أنها حصلت على نسخة من رسالة مشفرة مبعوثة من مصدر غير محدد في باكستان يطلب فيها بشكل عاجل طبيباً لعلاج الظواهري، مشيرة إلى أنها كانت مرسلة من قائد في «القاعدة» اسمه بيت الله محسود، وجاء فيها أن الظواهري أُصيب في هجوم صاروخي نفذته طائرات أميركية في جنوبي وزيرستان في 28 يوليو الماضي، وأنه يعاني من ألم شديد وإصابته «ملوثة» بالجراثيم. الخبر أثار ردود أفعال وتكهنات وتحليلات تداولتها وسائل الإعلام كلها في العالم. وكان لافتاً نفي الإدارة الأميركية علمها بالخبر وكذلك الحكومة الباكستانية. ومع ذلك فقد حمل الخبر في طياته غموضاً، لأن الظواهري طبيب، ثم كيفية اصطياد الرسالة المشفرة وكيفية حلها وكشف رموزها. لكن الغموض تبدد من داخل باكستان بعد يومين بالضبط وعبر قناة «الجزيرة» في تصريح لـ بيت الله محسود نفى تماماً الواقعة وأنه أرسل طلب مساعدة طبية، وغير ذلك مما جاء في الخبر.كثيرون من المراقبين قالوا إن الخبر من تسريب المخابرات الأميركية التي تريد أن تحتفل بالذكرى السابعة للحادي عشر من سبتمبر على طريقتها في خلق فوضى واضطراب داخل «القاعدة»، وذلك واضح من عملية قتل أبو خباب المصري أيضاً في إقليم وزيرستان في التوقيت نفسه عبر صواريخ أميركية موجهة للموقع الذي كان يختبئ فيه هو ومجموعة من رفاقه، وهو ما شكل نوعاً من الانتصار الأميركي على «القاعدة»، ربما أرادت المخابرات الأميركية تتويجه بخبر إصابة الظواهري.لكن يبقي أن الخبر لا يزال يحمل بعض الغموض من ناحية:1 - أن الظواهري الذي اعتاد على الظهور الإعلامي المتكرر مختف منذ شهور، وهو الذي لا يترك مناسبة إلا وظهر فيها. 2 - نجاح عملية قتل ابوخباب المصري ومن معه يدل على نجاح مخابراتي قوي للمخابرات الأميركية داخل اقليم وزيرستان، وأبو خباب، كما أعلنت الإدارة الأميركية، من أخطر قيادات «القاعدة» ووصفته بأنه خبير الأسلحة الكيمياوية ورصدت خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه. لكن: ماذا إذا صح خبر مقتل الظواهري اليوم أو غداً؟ أولاً بلا شك ان مقتل القيادات والزعامات لأي جماعة أو دولة يؤثر في بنيانها وقوتها، لكن هل مقتل الظواهري في أي توقيت يؤثر في تنظيم «القاعدة»، وينهي حالة الحرب والصراع الدائرة بين القاعدة والولايات المتحدة؟كثيرون من المحللين الغربيين قبل العرب والمسلمين استبعدوا التأثير القوي المباشر لمقتل الظواهري على الكراهية والعداء للولايات المتحدة، وقالوا بتأثير على التنظيم محدود لأسباب عدة، منها أن التنظيم لم يعد له قوة التنظيم العسكري بالتعريف الأمني بقدر ما أصبح حالة فكرية زادت باستثمار التنظيم للعدوان والممارسات الأميركية المنافية لأبسط حقوق الإنسان على العراق وأفغانستان والصومال والتأييد الأميركي لممارسات العدو المحتل الصهيوني في فلسطين في تأجيج العداء الشعبي للإدارة الأميركية.ثانياً لو صح خبر مقتل الظواهري هل تنسحب الولايات المتحدة الأميركية من العراق وتترك حكم العراق للشعب العراقي وكذلك تفعل في افغانستان وترفع يدها عن الصومال وتضغط على العدو الصهيوني لإعطاء حقوق الفلسطنيين؟ بلا شك هذا أصبح في حكم المستحيل حتى أن المرشحين الجديدين لرئاسة أميركا يتحدثون عن انسحاب محدد من العراق وتعديل الأوضاع، وتأييد مفتوح على بياض لكل ممارسات العدو الصهيوني.لذلك يبقى أن إشاعة مقتل الظواهري حتي لو صحت تبقى انتصاراً معنوياً فقط للرئيس الأميركي وإدارته، ولكنها لن تغير من الأوضاع التي خلقتها ممارسات الإدارة الأميركية الوحشية والسيئة في نفوس العرب والمسلمين شيئاً.وسيبقى الوضع كما هو عليه، فالحل لحال العداء والكراهية ليس في مقتل الظواهري إنما الحل في إدارة أميركية صادقة، وليست كاذبة تقول وتفعل عكس ما تقول. إدارة يجب عليها أن توقف العدوان العسكري والاقتصادي والسياسي، وتعطي الشعوب حقها في تقرير مصيرها وتوقف الاعتداء على حقوق الإنسان. إدارة لا تعادي الاسلام والمسلمين وتهتم بالشعب الأميركي فقط ولا تهتم بتكوين إمبراطورية أميركية طاغية تحتل بلاد العالم وآبار البترول.

ممدوح إسماعيل

كاتب ومحامٍ مصريelsharia5@hotmail.com