خالد مقيم عربي في الكويت، يصنف نفسه من أصحاب الدخول المتوسطة، فمن خلال وظيفته يستطيع الرجل بعد تسديد نفقات أولاده التعليمية والصحية ودفع ايجار شقته ونفقاته المعيشية والغذائية، تجنيب فائض يقدر بنحو 200 دينار شهرياً. وباعتباره وافداً موقتاً في البلاد، يُتوقع منه أن يحوّل ما يفيض عنه إلى بلاده.برزت قبل أيام بيانات رسمية ردا على سؤال للنائب خليل الصالح حول حجم تحويلات الوافدين تفيد بأنها تجاوزت في آخر أربع سنوات 21 مليار دينار، وأنها تمثل 6.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وانها حققت نموا ملحوظا بواقع 17.8 في المئة خلال عام 2014 لتبلغ 5.4 مليار دينار مقارنة بـ 4.7 في المئة خلال عام 2013 بحسب بيانات بنك الكويت المركزي لعام 2014.الرقم المعلن لتحويلات الوافدين أثار شيئاً من الصدمة، وظهرت بعدها ردود الأفعال المطالبة بفرض رسوم على تحويلات الوافدين، باعتبار أن هذه التحويلات تؤثر مباشرة في النشاط الاقتصادي المحلي، فيما تساهم في المقابل بانتعاش البلدان الأخرى ورفع مستوى معيشة مواطنيها.لكن الوافدين والعديد من الاقتصاديين لهم رأي آخر. الوافدون من أمثال خالد، يرون في تحويلاتهم حقاً مشروعاً لهم، «فنحن نتغرّب لنعمل ونوفّر شيئاً من الفوائض، وليس لنا خيار آخر إلا تحويل أموالنا إلى بلداننا، فهنا لا تستطيع شراء شقّة أو تملّك محل أو شاليه، فماذا تفعل بمدّخراتك؟»ومن الزاوية الاقتصادية البحتة، يتفق الخبراء الاقتصاديّون على أن تحويلات الوافدين تضر بميزان المدفوعات، وتعني خسارة كبيرة للناتج المحلّي الإجمالي، لكن عدداً من الاقتصاديين الذين لم يشاؤوا ذكر أسمائهم سجلوا ملاحظاتٍ منها:1- أن ما يدفعه الاقتصاد الوطني للوافدين هو تكلفة مقابل خدمة أو جهد. فالكويتي يشتري خدمة الطبيب أو المهندس أو الممرض وافد أو حتى العمالة المنزليّة، ويدفع مقابل ذلك ثمناً من الناتج المحلي. ولو كانت هذه الخدمة متوافرة محلياً من المواطنين لما احتاج إلى استيرادها من الخارج. فلماذا كل هذه الحساسيّة تجاه تحويل الوافد لأمواله إلى بلده، خصوصاً وأن الكويت لا تريده- من حيث المبدأ- أن يبقى هنا إلى الأبد؟2- صحيحة أن تحويلات الوافدين الصادرة خسارة للاقتصاد، لكن إنتاجهم يعزز الناتج المحلي، واستهلاكهم المحلّي يشكل رافعة أساسية للقطاعات غير النفطيّة، وللشركات الوطنيّة. فالعامل في الفندق أو المطعم ينتج خدمة يذهب الجزء الأكبر من قيمتها إلى المالك الكويتي، وما لا يقل عن 70 في المئة من دخله يُنفق داخل الكويت، ويستفيد منه الكويتيون. وتكفي الإشارة مثلاً إلى ما يدفعه الوافدون من إيجارات للشقق التي يسكنونها وكم يعود ذلك بالفائدة على الكويتيين.3- أن التكلفة التي يدفعها الاقتصاد الوطني لتحويلات الوافدين ليست أكبر بكثير من تكلفة تحويلات أخرى لأغراض ترفيهيّة، مثل تحويلات مصاريف السفر. فالكويتيون أنفقوا 12.6 مليار دينار على السفر خلال السنوات الخمس الماضية. وبلغت تحويلاتهم لهذا الغرض 3.2 مليار دينار في العام الماضي وحده.4- أن فرض قيود على تحويلات الوافدين يضر بالكويتيين أنفسهم، إذ إنه يُضعف تنافسيّة سوق العمل الكويتي ويرفع تكلفة استقدام العمالة.5 - ربما يؤدي فرض رسوم على تحويلات الوافدين إلى فتح سوق موازٍ لتحويل الأموال خارج رقابة البنك المركزي ما يثير المخاوف من تنامي عمليات غسيل الأموال وتمويل الأرهاب، وبعيدا عن انها تخالف وبشكل واضح قواعد تحرير رؤوس الأموال التي تعمل بها الدول المتقدمة والرأسمالية، وكذلك تعاكس توجهات بنك الكويت المركزي، يصعب على الوافد ايجاد حاضنة استثمارية مناسبة امنة لفائض راتبه.اقتصاديّون آخرون يشيرون إلى أن البحث في فرض قيود على التحويلات غير مجدٍ في ظل عدم وجود بدائل لتوطين مدّخرات الوافدين. فاذا قرر كل وافد ضخ تحويلاته بالكامل في الاقتصاد المحلي، فبماذا يستثمر؟وهذا يعيد النقاش إلى معضلة تتعلق ببيئة الأعمال الكويتية نفسها وصعوبة الفرص الاستثمارية المتاحة في الاقتصاد المحلي، وهو أمر أكده البنك الدولي في تقاريره عن الكويت.بالطبع العجز والحيرة التي يمكن ان يولدها هكذا سؤال لدى الوافد ليست مستغربة، وهو يجد تصريحات لمسؤولي شركات كويتية كبرى تشير إلى انهم اضطروا إلى الاستثمار في الخارج بسبب ندرة الفرص المحلية. فإذا كان هذا حال الشركات والمستثمرين المحليين، فما بال الوافد العادي؟فبالترتيب هناك 3 قطاعات استثمار رئيسة في الكويت يمكن للافراد الاستفادة منها وهي، سوق الاسهم، التي باتت تحمل مستويات مخاطر عالية وتحديدا منذ بداية الأزمة المالية في 2008، حيث خلفت حرائق واسعة في البورصات، وتراجعات حادة افقدت غالبية المستثمرين افراد وشركات اتزانهم المالي، وبالتالي لا يمكن ان يقتنع الوافد بوضع فائض امواله التي تعب عليها في سوق محفوفة بمخاطر عالية.اما مجال الاستثمار الثاني فيتعلق بسوق العقار، وهو ممنوع على الوافد، وأما الثالث فهو الإدخار في البنوك، لكنه لا يبدو مجدياً في ظل مستويات الفائدة المنخفضة التي لا تعوض أثر التضخم. ولذلك يعتقد الاقتصاديّون أن فتح قنوات الاستثمار المحلي خيار أفضل لتوطين مدخرات الوافدين، من فرض قيود ورسوم على التحويلات.هناك اعتبار اخر يلقي بظلاله على الوافد وخططه الاستثمارية، فاذا كان هو شخصيا مهددا في اي لحظة ان يجد نفسه على مقعد الابعاد لمجرد مخالفة مرورية فكيف له ان يأمن على استثمار أمواله محلياً؟ويتعين الإشارة في هذا الخصوص إلى أن جميع الوافدين ان لم يكن جميعهم يتمنون ان يجدوا فرصا استثمارية مناسبة لاستثمار فائض اموالهم، فمن ناحية المنفعة الشخصية يكون الوافد اكثر ميلا لاستثمار «تحويشة عمره» امام عينه، بعيدا عن مخاوف التبديد وضياعها او حتى الحسد في حال استثمارها في بلده، علاوة على ذلك فان التضخم في الكويت يعد في مرتبة متأخرة جدا قياسا بمعدلاته في جميع دول الوافدين تقريبا، ما يعني ان ما يمكن ان يدخره الوافد بيمينه في بلده قد يبهت مع تحويله إلى بلده ووضعه تحت ضغط تراجع القيمة الشرائية لعملته الوطنية.وعملا بقاعدة صناعة الفرص يراقب الوافد اي فرصة استثمار ممكنة له في السوق المحلي، بغض النظر عن حجمها على اعتبار ان ذلك يسهم في زيادة دخله الوظيفي او في تحسين المستوى المعيشي لاشخاص مقربين منه عبر الاستعانة به لمساعدته في اعماله.