عاش لبنان أمس لحظات مشدودة بتوتّر كبير الى نتائج الجلسة الساخنة التي عقدها مجلس الوزراء قبل الظهر والتي اتسمت فعلاً بطابع مفصلي بالنسبة الى الاتجاهات التي ستسلكها الأزمة السياسية والحكومية في ظل إطلاق زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون موجة التحركات احتجاجية لأنصاره في الشارع واضعاً الجميع امام أمر واقع تصعيدي حاصر الحكومة ولو لم يسقطها.وقد بدت بيروت مع عمليات الكرّ والفرّ في محيط السرايا الحكومية أسيرة الأزمة الناجمة عن تصميم عون على شلّ الحكومة وتعطيلها ما لم يتم تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش قبل شهرين من انتهاء خدمة العماد جان قهوجي، وإصراره على رفض مناقشة اي بند في مجلس الوزراء قبل بت هذه القضية، متسلّحاً بانه يدافع عن صلاحيات رئاسة الجمهورية التي انتقلت بالوكالة الى مجلس الوزراء نتيجة الشغور الرئاسي الممتد منذ اكثر من عام، وهو ما يقابَل برفض من رئيس الحكومة تمام سلام الذي يعتب ان في الأمر مساساً بصلاحياته وتعطيلاً متعمداً لآخر المؤسسات الدستورية العامِلة في النظام، كما من غالبية مكونات مجلس الوزراء بما في ذلك رئيس البرلمان نبيه بري.وأظهرت المعطيات الخفية التي سبقت انعقاد الجلسة ان شبكة مشاورات واتصالات كثيفة أجريت ليل الاربعاء - الخميس سعت الى ما يشبه التوافق الضمني بين قوى اساسية على منْع تَجاوُز الأزمة الخطوط الحمر التي تكفل عدم انهيار الحكومة بما يعني ترك الجلسة تنفّس الاحتقان بدل تصعيده وخصوصاً ان أنصار عون كانوا تجمعوا منذ الصباح في منطقة سن الفيل انتظارا للجلسة واستعداداً لإطلاق موجة جديدة من التظاهرات بالمواكب السيّارة للاتجاه نحو ساحة رياض الصلح في وسط بيروت قبالة السرايا الحكومية.ولكن الامور بدأت بتوتر شديد عندما تعمّد وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون) من قاعة الجلسات استفزاز رئيس الحكومة فيما كانت كاميرات المراسلين والمصورين التلفزيونيين والصحافيين تسجل وقائع بداية الجلسة. وراح باسيل يتحدث بنبرة استفزازية لسلام متهماً إياه بالتعدي على صلاحيات رئيس الجمهورية وزاعماً انه جاء اليوم حاملاً الدستور للدفاع عنه. عند ذاك واجه سلام باسيل غاضباً وقال له «لم أعطك الحق في الكلام وهذا النوع من المشاغبة غير مقبول»، وبعد اصرار باسيل على الكلام قال سلام بسخط وهو يضرب يده على الطاولة اكثر من مرة: «عندما أتحدث تسكت. واذا بتريد احترم حدود الأخلاق، واذ مش عاجبك افعل ما يريحك». وصفّق عدد من الوزراء للرئيس سلام الذي بادر على الأثر الى إعطاء تعليماته بمنع البث التلفزيوني المباشر والتغطية المباشرة من السرايا وإخراج المراسلين الى باحة السرايا.وعُلم ان سلام اكمل بعيداً عن الكاميرات ما كان بدأه متوجهاً الى باسيل بالقول: «عيب، عيب، عيب، هذا الكلام لا يليق بمَن يتولى منصب وزير الخارجية، وهذه الغوغائية غير مقبولة ولن نقبل بالتعطيل»، محذراً من مخاطر تحريك الشارع، ليتكرر الاشكال بين باسيل والوزير وائل ابو فاعور ترجمةً لتعليمات النائب وليد جنبلاط بالوقوف الى جانئب رئيس الحكومة، وهو ما كرّسه جنبلاط عبر «تويتر» متوجهاً الى سلام: «صبرا على البلوى تمام بك فكم صُهرت سبائك الذهب الغالي فما احترقت».وبدا واضحاً ان ما قام به باسيل كان مفتعلاً ومقصوداً لتحريك الموجة الجديدة من الاحتجاجات في الشارع بدليل انه بعد تعميم الأخبار عن المواجهة الكلامية في مجلس الوزراء بدأت مجموعات من أنصار عون فوراً بالتحرك من منطقة سن الفيل نحو محيط السرايا الحكومية في وسط بيروت حيث اتخذت القوى الامنية والعسكرية تدابير مشددة، اذ قطع الجيش شارعيْ اللعازارية والمصارف منعاً لوصول المتظاهرين الى السرايا. وبعد وصول المجموعات العونية الى محيطها ترجّل المتظاهرون حيث تجمعوا وسط طوَّق امني.وفاجأت مجموعات متظاهرة القوى الامنية بخرق نقاط عدة من الحصار الأمني حيث حصل تضارب بالايدي بين قوى الامن الداخلي والجيش وبعض المتظاهرين بعدما تعمّد هؤلاء استدراجهم الى الصدام وراحت محطة «او تي في» الناطقة باسم «التيار الوطني الحر» تتهم ما وصفته «بعسكر تمام سلام» بالاعتداء على أنصار عون، فيما كان موقع «التيار» يحفّز المناصرين رافعاً شعار: «يا شعب لبنان العظيم...(الداعشي) سلام يهين المسيحيين ووزراء التيار.. كرامتكم بالدقّ».وعلى امتداد اكثر من ثلاث ساعات ونصف استغرقتها الجلسة لم يتسرب خلالها اي معلومات اعلامية عما كان يجري داخلها، رفع النواب والناشطون العونيون وتيرة التصعيد الكلامي الى ذروته مــركزين الحملات العنيفة على الرئيس سلام شخصياً الامر الذي رسم ملامح محاولة عونية متقدمة لدفع الأزمة السياسية الى مستوى غير مسبوق من التصعيد ولو ان جميع الافرقاء لا يزالون يتمسكون ببقاء الحكومة ومنع انهيارها.وسرعان ما تجدد الصدام بين المتظاهرين وعناصر الجيش في شارع المصارف بعدما حاول المتظاهرون اختراق الطوق العسكري نحو السرايا.وأثار الصدام الثاني الذي تخلله سقوط بعض الجرحى من مناصري عون مخاوف واسعة من التطورات التي يمكن ان تلي في الساعات المقبلة اذ بدا واضحاً ان استدراج المتظاهرين والقوى الامنية الى الصدام يستبطن اتجاهات مثيرة للمخاوف من استدراج البلاد نحو متاهة شديدة الخطورة امنياً وسياسياً.