لا يكفّ رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون عن خوض المعارك. في بعض الأحيان يُخيّل لعارفيه انه لا يمكن ان يعيش من دون ضجيجها سواء كانت عسكرية او سياسية، ولا يمكن ان يستكين في العمل السياسي من دون إثارة غبار المعارك.وليست رتبة العماد او قيادة الجيش او رئاسة الحكومة الانتقالية ورئاسة «التيار الوطني الحر» وتكتل التغيير، هي التي تدفعه كلها الى ان يكون في قلب المواجهة. يوجد عند عون دائماً سبب ما يدفعه الى ان يكون في قلب الحدَث الداخلي، حتى لو كان في باريس، كما حصل ايام نفيه بعد معركة 13 اكتوبر 1990 التي أطاحته من قصر بعبدا الذي كان دخله العام 1988 رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية.بالنسبة الى خصومه، هو يهوى المعارك الخاسرة ويخوض معارك عبثية كما حصل حين قرر فتح حرب ضد الميليشيات و«القوات اللبنانية» في ما عُرف بـ «حرب الالغاء» العام 1990 او قبلها ضد سورية في «حرب التحرير» (1989)، او كما حصل بعد عودته من المنفى الباريسي (مايو 2005) حين خاض معارك سياسية في وجه تيار «المستقبل»، ووقّع ورقة التفاهم مع «حزب الله». لكن مؤيديه يرون في كل معركة خاضها وجهاً مشرقاً، لانها أسفرت في نهاية المطاف عن إثبات أحقية مطالبه ورؤيته، سواء بالنسبة الى خروج الجيش السوري او انضواء جميع الميليشيات تحت كنف الدولة.ما يجري حالياً يعيد الى المشهد السياسي صورة عون «المحارب»، اذ انه يخوض جملة معارك دفعة واحدة: معركة التعيينات، ومعركة الحكومة وحقوق المسيحيين، واللامركزية، وانتخابات «التيار الوطني الحر».تحوط بعون مجموعة سياسية وإعلامية، تناقش معه في شكل دوري تحولات الساعات ونقاشات لمواجهة ما يُرسم وتضم ايلي الفرزلي، وسليم جريصاتي، وكريم بقرداوني، وعبدالله ابو حبيب، وحبيب افرام، وجان عزيز. لكل من هؤلاء دوره. لكن عون يثق اولاً وأخيراً بالوزير جبران باسيل، صهره وكاتم أسراره وموفده الاول والوحيد الى الطبقة السياسية.في حلقات ضيقة، لبعض النواب ملفات يتعاطون بها ومكلفون بها، كما حصل مع النائب ابرهيم كنعان الذي عُهد اليه ملف العلاقة مع البطريركية المارونية و«القوات اللبنانية». لكن في المحصلة هناك شخص واحد يقود المعركة، اسمه الجنرال ميشال عون، الذي لا يثق إلا برؤيته الخاصة. ووفق ذلك يقود اليوم معاركه على أكثر من جبهة.بدأ عون معركة منذ أشهر لتغيير قائد الجيش العماد جان قهوجي. واتت هذه المعركة على خلفية اقتراب موعد انتهاء ولاية قهوجي الممددة في 23 سبتمبر المقبل. وينطلق زعيم «التيار الحر» كما صار معروفاً من خلفية رفْضه للتمديد الاول لقهوجي الذي حصل قبل عامين، ورفْضه ايضاً التمديد لمجلس النواب. وفي اعتراضه على التمديدين، استند الى الدستور والى القوانين المرعية الإجراء، لكنه واجه تصلباً سياسياً من غالبية الأفرقاء بمن فيهم حليفه «حزب الله»، وذلك لأسباب شتى منها تورط الحزب في حرب سورية. وما ان اقترب موعد التمديد الثاني لقهوجي حتى رفع عون سقف الرفض، مؤكداً تمسكه بمطلب تعيين خلَف له، ومسمياً صهره العميد شامل روكز لقيادة الجيش.تحوّلت معركة عون من قضية تعيين الى قضية سياسية أوقفت عمل مجلس الوزراء لثلاثة اسابيع، فتفرّعت من معركة التمديد مواجهة بدت وكأنها جانبية، لكن «الجنرال» حوّلها معركة مصيرية هي معركة حقوق المسيحيين وحق الوزراء كلّهم في غياب رئيس الجمهورية، بالتوقيع بالتفاهم على مقررات مجلس الوزراء. ومن صلب هذه الحركة السياسية، بدأ يخوض معركة الفيديرالية واللامركزية الموسّعة.لا يمكن الاستهانة او التقليل من شأن ما يخوضه عون في معركته المزدوجة، ولا سيما انه لوّح بالتصعيد في الشارع المسيحي داعياً في الوقت نفسه اللبنانيين الى التجاوب معه. وينطلق زعيم «التيار الحر» من انه يدافع عن حقوق المسيحيين المغيّبين عن السلطة فعلياً منذ العام 1990، وهو سبق ان رفع سقف شروطه ابان تشكيل الحكومات المتتالية، ولا سيما مع حكومتيْ نجيب ميقاتي وتمام سلام الاخيرتين. وهو يعتبر ان كل المطالب التي تَقدم بها المسيحيون لم تؤخذ في الاعتبار، في حين تمت مراعاة الرئيس نبيه بري وتيار «المستقبل».يلوّح عون بالشارع، وهو يعرف خطورة اللجوء اليه في هذه المرحلة الحرجة أمنياً، لكنه مصرّ على الاحتكام اليه في ضوء استمرار فريق بري و«المستقبل» في رفض التعيينات الامنية. لكن أخطر ما يحصل اليوم هو في التحول الذي يجري في الخطب السياسية سواء من جهة فريق عون، او من جهة خصومه. اذ ان المعركة السياسية الحالية التي انطلقت من قاعدة التعيينات، تتحول تدريجاً معركة حول النظام وحول المشاركة ودور المسيحيين في تجربة العيش المشترك، وهو الأمر الذي حسمه نهائياً اتفاق الطائف.لا يروق عون ما يسمعه من بري او من رئيس الحكومة تمام سلام، او من الرئيس سعد الحريري الذي يقول زعيم «التيار الحر» انه أعطاه وعوداً لم تُترجم على الورق. ويشعر بانه آن أوان معركة الحسم الداخلي وهو مصرّ على عدم التراجع عنها، مهما اتهمه البعض بأنه يغامر في هذا الوقت الحساس بمصير المسيحيين ولبنان.يستند عون في معركته الى انه يحمي ظهره داخلياً ومسيحياً. فورقة «اعلان النيات» التي اتفق عليها مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع تجعله مطمئناً الى ان الشارع المسيحي لن يكون ضده في سعيه الى الحصول على حقوق المسيحيين.ورغم انشغاله في معركة حشد الجمهور للنزول الى الشارع عبر لقاءات شعبية بدأت منذ نحو شهر تقريباً، ينصرف عون الى متابعة التحضير لانتخاب اول رئيس للتيار الوطني الحر. وهنا يواجه «الجنرال» جملة تحديات «داخل البيت» الذي يستعدّ في 20 سبتمبر المقبل لانتخاب رئيس التيار الذي يتحول حزباً على طريقة الأحزاب اللبنانية الاخرى. وهي المعركة التي ينخرط فيها أصهاره وأولاد شقيقه وشقيقته ومناصرون، بعضهم يرفض الآلية المعتمدة لانتخاب رئيس يكاد يُعلن مسبقاً انه باسيل، وبعضهم يؤيد ما يسمّونه عملية ديموقراطية لانتخاب رئيس وتحويل التيار حزباً.لا يقلل احد من العونيين أهمية النقاشات التي تجري داخل «التيار» حالياً حول الانتخابات المقبلة. وتكاد الاجتماعات الداخلية تسير في موازاة تلك التي تجري لاستنهاض القاعدة على خلفية المطالبة بتعزيز الشراكة داخل الحكومة.ما يجري في الرابية (حيث منزل عون) ليس أمراً سهلاً. يشهد كثيرون لعون انه متابع سياسي جيّد، ينصرف الى السياسة بكلّيته، فلا ينشغل عنها، لا بالسفر ولا بالاستجمام. ولأن السياسة هي خبزه اليوم، يحارب اليوم على جبهات عدة. خصومه اعتبروا دائماً انه «يصارع طواحين الهواء»، لكن بالنسبة اليه كل معركة هي أمّ المعارك. ومن اجل ذلك، يسعى الى ان يخوضها اياً كانت نتيجتها، جنرالاً كان ام رئيساً للتكتل او للتيار.