بعودته سالماً، مسح ريكاردو جعارة دموع الخوف التي ملأت عيون عائلته، بعدما أُطلق سراحه أول من أمس في أعقاب يومين من خطْفه من أمام منزل ذويه في عمشيت (قضاء جبيل) صباح السبت من قبل مجموعة أرادت ان تساوم على طفولته البريئة عبر طلب فدية. عاد ريكاردو ، إلى حضن أمه وإلى «عزّ» أبيه. وتبددت سحابة الأفكار المشؤومة التي تكاثفت فوق بيت العائلة في عمشيت، خوفاً من أي مكروه قد يصيب الطفل ابن السادسة.أقل ما يُقال في الساعات التي عاشتها العائلة في ظل خطف ابنها، أنها عصيبة. بدأت منذ أن هبط ريكاردو من الطبقة التي يسكنها في أحد الأبنية إلى الطبقة الأرضية، حيث تسكن جدته، ليطعم الدجاجات التي تنتظره كالمعتاد لتلقف قوتها من يدي الصبي.ففي ذاك اليوم نزل ريكاردو ولم يعد. انتظرته والدته لدقائق لكنه لم يرجع إليها فارغ الصحن من بقايا الطعام، فهبّت تسأل الجدة عنه، فأخبرتها الأخيرة أنه لم يحضر إليها. وبذلك دخلت عائلة جعارة وعموم سكان عمشيت في دوامة القلق على مصير ريكاردو، وانطلقت الصلاة على كل شفة ولسان أملاً بعودته إلى ذويه سالماً، وذلك بعدما تلقت الوالدة اتصالاً هاتفياً من الجهة الخاطفة طالبها بفدية 250 الف دولار، ووضعها أمام أعظم مخاوفها: ريكاردو مخطوف! الوالد عماد جعارة، وهو مهندس معماري مقيم بين لبنان والكويت، كان في الكويت حين تلقى الخبر - الصدمة. فطار على جناح السرعة إلى لبنان لفعل المستحيل كي يعود ولده. وفيما باشرت القوى الأمنية التحقيقات، وُضعت في التداول فرضيتان: الأولى تحدثت عن خلافات عائلية دفعت أحد أفراد العائلة الى ترتيب عملية الخطف بهدف ابتزاز والد ريكاردو مادياً. أما الفرضية الثانية، فتتهم أحد المستأجرين في البناية وهم من النازحين السوريين والعمال المصريين، بتدبير عملية الخطف، الأمر الذي أدى الى أخذ إفادات هؤلاء فرداً فرداً في فصيلة جبيل.في غضون ذلك، تلقت الوالدة اتصالاً هاتفياً ثانياً من رقم سوري يعمل على الشبكة السورية. وجاءها من البعيد صوت ريكاردو الذي أعاد النبض إلى قلبها لدقائق معدودة بعدما طمأنها الى أنه بخير، ولكنه شكا إليها سوء الطعام الذي يقدّمه إليه الخاطفون معرباً عن رغبته بالعودة سريعاً إلى المنزل. وتكرّر الاتصال بين ريكاردو والعائلة وهذه المرة كان التواصل الهاتفي مع والده. وخلال هذا الاتصال قال الطفل لأبيه وهو يبكي «ما بدي آكل بدي بس ارجع ع البيت»، فأجابه والده «لأ بابا لازم تاكل وما تزعّل عمّو، عمّو بيحبّك»!.وتوالت الدقائق كأنها دهر، ومرت الساعات ثقيلة مُرّة في حلق آل جعارة... إلى أن كانت الخاتمة السعيدة، حيث توجّه والد ريكاردو يوم الاثنين برفقة القوى الأمنية إلى الحدود اللبنانية ـ السورية في شمال لبنان حيث حصلت عملية تسليم وتسلم بقيت ملابساتها ملتبسة، الا ان الاكيد فيها ان ريكاردو سارع الى أحضان والده بعد أن مشى مسافة كيلومترين وحيداً. أما الفدية التي قيل في البدء أنها 250 ألف دولار أميركي، ثم تردد أنها خفّضت لمئة ألف، فأشارت تقارير بعدما عاد الصبي إلى عمشيت الى أنها رست في النهاية على 50 ألفاً كانت المقابل لإطلاق ريكاردو الذي ما ان اتصل بوالدته بعد خروجه الى الحرية حتى طلب منها ان تعدّ له مربى الفراولة بسبب سوء تغذيته خلال خطْفه و«الطعام غير اللذيذ» الذي قُدم له.