أبصرت التعديلات على أسس وقواعد منح القروض الاستهلاكية والمقسطة النور بعد مسار طويل من المشاورات بين البنوك، استمر لأشهر، إلى أن خرجت الصيغة المرضية لجميع الأطراف، من بنوك إسلاميّة وتقليديّة.وسمحت التعليمات التي أقرها مجلس إدارة بنك الكويت المركزي أول من أمس، بإعادة جدولة القروض الاستهلاكية وغيرها من القروض المقسّطة إذا أثبت العميل انتظامه في سداد 30 في المئة من القرض.في الشكل، سجّل بنك الكويت المركزي نجاحاً في نهجه الجديد القائم على التشاور مع الأطراف ذات المصلحة قبل إصدار أي تعليمات جديدة، وأثمرت عملية التشاور توازناً دقيقاً بين مصالح البنوك الإسلامية والتقليدية، بالتوازي مع تحقيق مصلحة العملاء من خلال فتح المنافسة وإتاحة المجال أمام انتقال العملاء بين البنوك، والسماح بإعادة جدولة القروض القائمة.لكن كيف اتفقت البنوك أخيراً على صيغة انتقال العملاء في ما بينها، بعد أشهر من النقاشات والشد والجذب؟معلوم أن العقدة الأساسية كانت تتمثّل في أن البنوك الإسلامية تتقاضى أرباحها من القروض مسبقاً، وبالتالي فهي لا تسقط شيئاً من الأرباح (التي تقابل الفوائد في البنوك التقليدية) في حال رغب العميل في السداد المبكر أو الانتقال بقرضه إلى بنك آخر، ما يجعل البنوك التقليدية متضررة من السماح بانتقال العملاء، لأن العميل لن يجد مصلحة في ترك البنك الإسلامي.مصادر مصرفية مطلعة كشفت لـ «الراي» أن حل العقدة جاء بعد أن توافقت البنوك التي تعمل وفقا للشريعة الاسلامية على آلية إسقاط جزء من أرباحها من القروض كهبة لعملائها عند إعادة جدولة المديونيات أو السداد المبكر، بعد ان أفتت غالبية الهيئات الشرعية بجواز ذلك، على ألّا يكون ذلك شرطاً أو منصوصاً عليه في العقد الموقع بين البنك والعميل.ولذلك صدرت تعليمات البنك المركزي خلواً من الحديث عن الهبة، إلا أن هذا ما سيتم تطبيقه في واقع الحال.ماذا يعني ذلك للعميل؟ببساطة، صار بإمكان المقترض من أي بنك إسلامي أن يسدد قرضه مبكراً أو أن يعيد جدولة قرضه القديم من خلال البنك نفسه أو من خلال بنك آخر، ويستفيد من إسقاط جزء من الأرباح المستحقة للبنك عن الفترة المتبقية من القرض، لكن بشرط أن يكون قد سدد 30 في المئة من قرضه بانتظام.كانت الهيئات الشرعية قدمت كما سبق وان اشارت «الراي» فتواها بأنه يحق للبنك الدائن اقرار الهبة لمن يراه مناسبا لكن ذلك يتعين الا يكون تعاقدياً بل يمكن أن يكون بحسب الحالة.وبينت المصادر ان البنوك الاسلامية تحركت منذ فترة لإيجاد صيغة مقبولة شرعا تسهل الاتفاق بين البنوك على صيغة السماح بنقل أو شراء المديونيات، مع الحرص على عدم مخالفة توصيات هيئاتها الشرعية لجهة عدم الشرط المسبق او الاتفاق مع العميل باعتبار ان ذلك لن يوضع في مقدمة الاتفاق معه.وفي العموم، أجمعت آراء المصرفيين على أن التعليمات الجديدة ستسهم في تحفير سوق الائتمان المحلي وستؤدي إلى فتح باب المنافسة اكثر بين البنوك على استقطاب العميل، بما سينعكس ايجابا على الخدمات التي تقدمها الجهات التمويلية واسعارها.ورغم التحفظ الذي لاقته فكرة السماح بانتقال العملاء من بنك إلى آخر قبل إصدار التعليمات الرقابية الجديدة، اتفقت غالبية البنوك على أن حرية انتقال العملاء ستخدم جميع اطراف المعادلة في إطارعلاقة متوازنة بين البنوك وعملائها، فمن ناحية ستقود هذه التعليمات إلى الارتقاء بأداء القطاع المصرفي بما يخدم جميع عملاء البنوك ويحفظ حقوقهم ومن ناحية ثانية يمكن القول ان التعليمات الجديدة تنسجم مع مقدرة وتطلعات البنوك خصوصا الحديثة من النمو على اساس ان السماح للعميل الحصول على قروض جديدة من أي جهة أخرى يعزز من نمو محافظها الاستهلاكية والمقسطة، التي كانت دائما مرتبطة بنسبة أقل من طموحها ومقدرتها.ولفت نائب الرئيس التنفيذي لبنك بوبيان عبدالله نجران التويجري إلى ان التعليمات الجديدة تضع العميل في موضع صاحب القرار اكثر، بفضل ما تتيحه من إمكانية إعادة جدولة الدين والحصول على تمويل جديد من بنك آخر، وهذا من شأنه ان يضع البنوك في موقف المنافس على العميل، موضحا ان بوصلة العميل في اختيار البنك الذي يرغب في التعامل معه ائتمانيا باتت بيده اكثر مما كانت عليه في السنوات الماضية، ومن ثم ستسعى جميع البنوك إلى العمل على اتجاهات هذه البوصلة ومن ثم العمل على استقطاب العميل بما يؤدي في النهاية إلى الارتقاء بالخدمة المصرفية المقدمة.واضاف التويجري ان البنوك الجديدة تتطلع دائما إلى زيادة حصتها السوقية، لكنها كانت دائما تصطدم في السابق بالسقف المنخفض للمنافسة والذي حدده القرار التنظيمي السابق بالنسبة لهيكلة التمويلات، اما الآن فان السماح بانتقال العميل من بنك لآخر سيرفع السقف امام هذه البنوك الحديثة في المرحلة المقبلة ويعزز من نمو محافظها الاستهلاكية والمقسطة، وهذا يحتاج بطبيعة الحال إلى تقديم مزيد من الحوافز الإضافية لجذب العملاء من بنوك اخرى وبالطبع سيقابل ذلك حرص من البنوك على عدم التفريط بعملائها وكل هذا سيصب في تحسين الخدمات المصرفية وأسعارها.واثنى التويجري على قرار البنك المركزي والتعديلات التي أدخلها على أسس وقواعد منح القروض الاستهلاكية والمقسطة، معتبرا ان هذه القرارات تأتي منسجمة مع جهود الناظم المركزي وتحركاته السريعة والمتوازنة نحو تعزيز حماية القطاع المصرفي والمالي وعملائه، مشيدا بجهود المحافظ الدكتور الهاشل وفريق عمل «المركزي» في تحسين بيئة العمل المصرفي.

القضاء على «التكييش»؟

من المرتقب ان تسهم هذه التعليمات في الحد ان لم يكن في القضاء على سوق التمويل الموازي الموجود خارج نطاق رقابة البنك المركزي، اما بالنسبة لانعكاسات هذه التعليمات على الاقتصاد المحلي فانها تسهم في تحفيز الانفاق على السلع والطلب عليها بالقدر الذي ينعكس ايجابا على نمو الاقتصاد المحلي بحكم ما يمكن ان توفره هذه التعليمات من قروض إضافية يمكن ان يحصل عليها العميل.ويمكن توقع الأثر الإيجابي لهذه التعليمات من قياس التحفظات التي ابدتها غالبية البنوك من التشدد الذي أبداه البنك المركزي في ما يتعلق بمنح قروض للعملاء يكون الغرض منها تسديد قروض لدى بنوك اخرى، حيث تعتقد هذه البنوك ان هذه التعليمات حجمت المنافسة كثيراً خصوصا لدى البنوك الحديثة.