«... استراحة ما بعد العاصفة». هكذا بدا المشهد في بيروت امس غداة جلسة مجلس الوزراء التي أدخلت البلاد في مرحلة جديدة من الصراع عنوانه تبادُل رسم «الخطوط الحمر» على تخوم ملف تعيين قائد جديد للجيش الذي حوّله رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون عنواناً لمعركة متعددة الاتجاهات يخوضها على قاعدة منْع الحكومة من العمل، قبل إيصال صهره العميد شامل روكز الى رأس المؤسسة العسكرية خلَفاً للعماد جان قهوجي، وذلك قبل شهرين ونيف من انتهاء خدمته في سبتمبر المقبل.ورغم ان رئيس الحكومة تمام سلام نجح في جلسة الحكومة الخميس التي جاءت بعد انقطاع لثلاثة أسابيع في كسْر دورة التعطيل وإن «قيصرياً»، مسجّلاً نقطة في مرمى فريق عون عبر تمرير بند واحد يتعلق بدعم كلفة النقل البحري للصادرات الزراعية والصناعية، رغم اعتراض «التغيير والإصلاح» وحلفائه وتمسكهم بعدم السير بأي بند قبل طرح ملف التعيينات الأمنية، الا ان ما أفرزته هذه المواجهة عكس منحى أكثر توتراً وتصعيداً للأزمة الحكومية التي تشكّل الوجه الآخر لأزمة الشغور في رئاسة الجمهورية المستمرة منذ مايو 2014.ذلك ان سلام رسم خلال الجلسة وبعدها «خطاً احمر» مفاده «أنا أمارس صلاحياتي الدستورية ولا أتحدى أحداً ولا أقمع أحداً، ولكن لا أسمح لأحد بأن يتحدّاني أو يتحدّى مجلس الوزراء، ولا أحد يستطيع أن يفرض موقفه أو رأيه على الآخرين، ومعارضة خمسة وزراء لا تلغي موافقة ثمانية عشرة وزيراً صوّتوا إلى جانب قرار دعم الصادرات، وساروا بجدول أعمال مجلس الوزراء»، محذراً «لا تأخذوني الى مكان أستطيع أن أصل إليه بقدمي... لقد استثمرتم في صبري الذي هو ملكي، لكن صبر الوطن أنا مسؤول عنه (...)».في المقابل، رفع العماد عون «بطاقة صفراء» بوجه الحكومة محاولاً فرْملة اندفاعتها الى تكرار تجربة جلسة اول من امس ومنْع تكرار سيناريو تجاهُل موقفه داخلها في اتجاه تمرير قرارات أخرى على طريقة «القضم»، راسماً معادلة «إما الوفاق واما الانفجار (...) وليعلم الجميع اننا سنذهب الى انفجار كبير... انهم يدفعوننا اليه واذا كانت هذه رغبتهم لا بأس فلم نخش يوما المواجهة»، واذا «كانوا مصرين على التمديد (لقائد الجيش) فما الذي يجمعنا بهذه الدولة. انا لن أخون الأمانة التي منحت لي، 60 سنة على الرئاسة والدولة وقيادة الجيش».وإزاء هذا التمتْرس، اتجّهت الأنظار الى مرسوم فتح دورة استثنائية للبرلمان الذي لم يكن نال حتى اولى ساعات بعد ظهر امس تواقيع 13 وزيراً رغم الاقتناع بان هذا الرقم سيتوافر في ظل توقعات بان يعمد وزيرا «حزب الله» الى السير به باعتبار ان هذا مطلب رئيسي لحليفه رئيس البرلمان نبيه بري الذي «أعطى» سلام في موضوع الحكومة، وشكّل «رأس حربة» معركة السير بجلسة تشكّل ضربة معنوية لعون، وهو، اي بري، يتوقّع «رد التحية» بالإفراج عن العمل التشريعي للبرلمان ولو اقتضى الأمر «حرق المراكب» مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» الذي يبدو ان بري يخوض معه معركة «ثأر» على خلفية تعطيله مجلس النواب.وعلمت «الراي» ان فريق العماد عون يتعاطى مع موضوع الدورة الاستثنائية للبرلمان من نفس منظور مقاربته ملف الأزمة الحكومية التي يعتبر ان جوهرها يتعلق بآلية العمل فيها على قاعدة التوافق باعتبار ان مجلس الوزراء مجتمعاً انتقلت اليه بالوكالة صلاحيات رئيس الجمهورية، ما يعني بالنسبة الى عون ان هذا ينطبق على مرسوم فتح الدورة الاستثنائية الذي يحتاج الى توافق.وبحسب مصادر في تكتل عون «فان موضوع الدورة الاسثتنائية يحتاج الى موافقتنا التي لا ترتبط بأي نيات لتعطيل البرلمان، بل يتصل موقفنا منها بجدول أعمال الجلسة التشريعية ومفهوم تشريع الضرورة الذي كنا تمسكنا به في ظل الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، وكنا عبّرنا سابقاً مراراً عن اننا جاهزون للمشاركة في أي جلسة نيابية تتوافر فيها مقومات تشريع الضرورة وفق التفسير المشترك الذي سبق ان توصلنا اليه والذي يشتمل على القوانين المتعلقة بتكوين السلطة أو بالمصلحة العليا للدولة، مثل قانون الانتخاب واستعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني والموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، وخارج هذا الاطار يحق لنا الاعتراض على اي جدول لا يلبي مطالبنا».وفي ظل هذا المستوى من «عض الأصابع»، لم يتضح المنحى الذي سيسلكه الرئيس سلام وسط انطباع بأنه قد يتريّث في اعتماد مسار من شأنه ان يساهم في مزيد من استفزاز عون من دون التفريط بثوابت مقاربته الأزمة الحكومية ورفضه منطق التعطيل، من دون ان يُحسم اذا كان سيوجّه دعوة للحكومة الاسبوع المقبل ام انه قد يؤجل ذلك افساحاً في المجال امام اتصالات التبريد. علماً ان دوائر سياسية قريبة من فريقيْ 8 و14 مارس تتعاطى مع «غضْبة» العماد عون وتحذيراته على أنها أقسى ما يمكنه القيام به في ظلّ ملامح اعتماد «حزب الله» في تعاطيه الداخلي معادلة «التفاهم مع بري والتفهّم لعون»، الذي ترى بعض الاوساط انه يبدو كمَن يخوض آخر معاركه على طريقة «يا قاتل يا مقتول»، وهو ما عبّر عنه احد القريبين منه بقوله ان «الجنرال يتصرف على قاعدة(لا تحت تحتنا لنخشى السقوط أكثر)، وهو ما يفسر بالنسبة الى كثيرين إحياءه طرح الفيديرالية».وكان الوضع الحكومي على طاولة الجلسة 14 من حوار«تيار المستقبل»و«حزب الله»الذي تركّز في شق آخر منه على موضوع«سرايا المقاومة» في ضوء الحادثة الأخيرة التي حصلت في بلدة السعديات، حيث جرى توافق على صيغة أمنية رسمية للمعالجة تتشارك في تنفيذها قوى الأمن الداخلي وقوى الجيش من منطلق التشديد والتأكيد على حصرية دور الدولة والمؤسسات الشرعية في تثبيت الأمن والاستقرار في البلد.
خارجيات
تقرير / سلام ينتفض وعون يرفع «البطاقة الصفراء» وبري ماضٍ في «ثأره»
صراع «خطوط حمر» في ملعب الحكومة اللبنانية
03:34 م