صورةٌ معبرة، على رأس قاعة «اليوسفي» في منطقة شرق، بدت نساء شهداء مسجد الإمام الصادق في مهابة وجلال، كنخلات باسقات تحضرن لاستقبال العزاء عقب جمعة فقدت فيها الكويت أبناءها. نساء شيعن رجالهن عصر السبت، وقفن ليلاً لتلقي واجب العزاء.في القاعة القريبة من قصر دسمان، بدا الزمن قديماً قبل نحو عقود ثلاثة، حين كانت المعركة في القصر الكبير بين حرس للوطن وغزاة... واليوم تعيد «دسمان» الصورة... تعبيراً عن معركة أخرى بين أبناء للوطن... و«غزاة».حول قاعة «اليوسفي» انتشرت قوى أمنية، وعلى بابه نصبت مداخل للتفتيش، وقوات للحراسة والتأمين. الداخلات جميعاً في سواد، سواءٌ في الحزن على الراحلين. في مدخل الصالة المخصصة للمناسبات بدت المقاعد المغطاة بمفارش بيضاء تنتظر لابسات الأسود. الأضواء العالية في محيط القاعة زادت من مهابة المشهد، فيما تلألأت الدموع وسط عيون الحاضرات من أسر الشهداء وأحبتهم، وبدت في الضوء وجوه اوجعتها الحادثة والفاجعة التي اصابت أسر العزاء ظهر يوم الجمعة الرمضاني أظلت على وجوه الصغيرات منهن حزناً طويلاً على مستقبل فقد فيه العزيز على يد إجرام صدم البلاد.نساء صغيرات وكبيرات، و بعضهن بالمقاعد المتحركة يقدمن واجب العزاء، وقبالة السائرات في صف التعازي، وقف صف آخر، من ذوي الشهداء ووسطهن احدى نساء «دسمان» أمثال الأحمد تتلقى واجب العزاء معهن. وفيما تسير المعزيات يمتد الطابور طويلاً خارج القاعة، ويزداد مع تواصل القادمات طولاً، يتحركن في مهل يناغم الحزن في نفوس حاضرات اللاتي شددن بالكلمات والايدي على وحدة وطنية بدت في جلال الموت اكثر صدقاً من تعبير المناسبات السعيدة.في «عزاء الكويت»، بقاعة اليوسفي تناقلت النساء عناوين مجالس التعزية في بيوت الشهداء على امتداد البلاد، وكانت منطقة الدسمة والشعب، والرميثية وحتى بيان ومنطقة الشهداء وغرب الجليب، مقاصد تتحضر لأجلها المعزيات وتتواعد بعضهن «لاستكمال الواجب» من أجل إتمام فريضة التراحم الدينية في منتصف شهر رمضان الفضيل الذي ألقى بفيض وجداني واضح على النفوس. وبدت النساء في يوم العزاء الاول والذي يمتد إلى ثلاثة أيام مجتمعات على «كلمة واحدة» و«قلب واحد» بدت الأحاديث كلها بين الحاضرات تدور حول الكويت، وفدائها، وتضحيات أبنائها التي تواصلت منذ بدأ الحياة فيها. وسردت بعضهن ما سمعته من أقوال للشهداء قبل وفاتهم تأكيداً على روح جامعة لهذا الوطن «لا تفرق بين أبنائه أبداً». وكانت مواقف الشهداء وآرائهم في «الطائفية» و«البغضاء» ونبذهم للتعصب، ورفضهم للفتنة احاديث على جانب المناسبة. ولكن الحديث الأكثر تكراراً وسط احضان المواساة ولمسات المودة كان «وحدة» الكويت ومصابها الواحد في ابنائها الـ26 الذين استشهدوا وهم سجّدا لربهم في ظهر يوم جمعة في وسط شهر رمضان «خير الشهور».بكاء النساء في ليل العزاء الرمضاني سبقته زغاريد عصراً حين شيع الشهداء، تأكيداً على الفخر بمن انتقاه ربه في مصاف المختارين للشهادة. وحدة الوطن التي على حسها فاضت ارواح الشهداء كانت محل تشديد في موقفي التشييع والعزاء. بينما كانت الكلمات تختلط بعبرات الآتيات والمغادرات.نساء الرجال الشهداء الذين قضوا في جمعة الفقد ظللن واقفات لا يشبهن إلا نخيل هذه البلاد، جذوره في الأرض وفروعه في السماء، باقيات يجددن بالقرب من «دسمان» عهد معركة كانت في «القصر» يوم غزانا الدخلاء، وصارت اليوم وبعد سنوات طويلة تهدد أنحاء البلاد في معركة وجود جديدة بين الكويتيين والدخلاء.
محليات
امتحان الدم... الكويت تواجه الفتنة بالوحدة
«عزاء الكويت» في عيون نساء الشهداء... «دسمان» يقاوم من جديد
04:51 ص