الجابرية منطقة لها خصوصيتها من بين مناطق الكويت كلها، ليس من الناحية الاجتماعية، بل مما يجري فيها من أمور تخرج عن نطاق كل الأنظمة المعمول بها في البلدية ولاسيما في مجال البناء في قطع السكن الخاص حصرا.فلأن المنطقة قبلة للمواطنين الذين يبحثون عن القرب، فيستأجرون فيها، تحول بناء المنازل في السكن الخاص إلى استثماري، على مرأى من المسؤولين الذين لا يحركون ساكنا، فقد تحولت بيوت خاصة إلى عمارات متعددة الشقق يسكنها مستأجرون، فصار البيت المخصص لمواطن واحد مع عائلته موطنا لست عائلات على الأقل، وللقارئ أن يتصور عدد سكان المنطقة في ظل هذا الوضع. وسط اتهامات توجه لجهات معينة باستغلال نفوذها لاستخراج تراخيص البناء، وإيصال التيار الكهربائي للبيوت المخالفة!بالمقابل يبدو أهالي المنطقة من ملاك القسائم والبيوت المتضررين من تلك التصرفات، بلا حول ولا قوة، وهم يرون قطع السكن الخاص، وخصوصا في القطعتين 9 و11، قد تحولت إلى استثماري بفعل الأمر الواقع، فأسقط في ايديهم واستسلموا لضياع خصوصية مناطق سكنهم الخاص والنموذجي. لكنهم في الوقت نفسه ــ كما عبروا عن ذلك ــ يعيبون على البلدية صمتها ورضاها بأن تستحصل الرخص المخالفة للقانون من مكاتبها دون أن يكون لها رد فعل، متسائلين عما إذا كانت تلك الجهات أقوى من سلطة البلدية!قاطنو بعض قطع منطقة الجابرية، بعد أن ضاق بهم الحال وعدم الإنصات لشكواهم من قبل فرع بلدية محافظة حولي، لجأوا إلى «الراي» مناشدين عبرها سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، ووزير الدولة لشؤون بلدية الكويت عيسى الكندري، ومدير عام بلدية الكويت أحمد الصبيح إنصافهم بإزالة المخالفات والعقارات التي بدأت ترتفع فوق المعقول وتكشف حرمات بيوتهم، مطالبين بتطبيق القرارات التي تجبر أصحاب العقارات المخالفة بهدمها أو إزالتها أو تعديل أوضاعها.«الراي» حرصت على التواجد في مواقع الضرر برفقة عضو المجلس البلدي المحامي عبدالله الكندري، ولاسيما في القطعتين 9 و11 في الجابرية، للوقوف على كم المخالفات التي ازعجت سكان المنطقة بكاملها.الكندري الذي اطلع على واقع المخالفات، قال إن «تجاوزات البناء الواقعة في منطقة الجابرية ليست ظاهرة جديدة، ولكنها باتت معاناة حقيقية يعاني منها سكان المنطقة والأسرة الكويتية في مثل هذه المناطق النموذجية». وأضاف «أن لائحة البناء الصادرة من المجلس البلدي عام 2009 جبيسة الأدراج ولا يوجد لها أي تطبيق أو تنفيذ جدي من قبل البلدية وعلى رأسهم محافظة بلدية فرع حولي التي لا تحمل اي جدية في تطبيق القانون سواء بقطع التيار الكهربائي أو معاقبة المكاتب الهندسية».وأشار إلى أن «ما يحدث في الجابرية لا يقبله أي مواطن غيور على ديرته، لاسيما مع عدد المخالفات والتجاوزات الموجودة حالياً من قبل مسؤولين داخل البلدية الذين نجد البعض منهم متواطئا بعدم اتخاذ أي إجراءات قانونية اتجاه المخالف».وتساءل الكندري إن «تم توجيه أي مخالفة ضد المكاتب الهندسية، أو اتخذت بحقهم أي إجراءات قانونية حول ملف التجاوزات في منطقة الجابرية»، مؤكداً أنه«حتى هذه اللحظة ونحن نقف على أطلال المخالفات لم يحرر أو يحال أي مكتب هندسية إلى لجنة مزاولة المهنة». وطالب بضرورة القيام بنفضة كاملة لمحافظة حولي كون أن أغلب المواطنين سئموا من مراجعة فرع البلدية، لافتاً إلى أن «المراجع المتضرر يقوم بمراجعتهم لأكثر من 3 أشهر لمعرفة أين وصلت شكواه ولكن يتم تأجيله تدريجياً حتى يقال له إنها ضاعت أو فقدت».وبالنسبة لاستمرار فقدان المخططات الهندسية للقسائم المخالفة في فرع بلدية محافظة حولي، قال الكندري إن «هذا الموضوع أصبح عادة عندهم، وهو حجة الضعيف سواء في حولي أو المحافظات الأخرى، ويمكن الرجوع للمكتب الهندسي لاستخراج نسخة من المخططات، كما أن المادتين 14 و15 من القانون تسمحان لمدير عام البلدية بإيقاف المكتب الهندسي وطلب المخططات، ولكن دائماً تكون حجة الموظف الذي اعتبره رمزا من رموز الفساد أن الملف ضائع ولا استطيع معاقبة المخالف».وحول التلاعب بالمخططات الهندسية، أكد الكندري أن"الفساد وصل للعنق، وأن الوضع لا يمكن تحمله أكثر من ذلك، مما يدل على أن بلدية الكويت غير قادرة على حماية المواطنين وتنفيذ القانون في هذا الجانب».وعن دور مدير فرع بلدية محافظة حولي في الكشف على تلك المخالفات وإزالتها، بين الكندري أنه «من المفترض أن يتم تشكيل لجنة لإزالة مخالفات في المباني السكنية في السكن الخاص، كما كان هناك لجنة مثيلة لها تختص بإزالة المخالفات بشكل عام، خاصة مع وجود أحكام جنائية وأخرى جنح صادرة باسم سمو الأمير بإزالة المباني المخالفة، ولكنها لم تنفذ حتى هذه اللحظة». وعن سبب تطبيق تلك القرارات سالفة الذكر، قال إن «استشراء تلك المباني المخالفة في السكن الخاص دليل كاف على وجود الفساد في بلدية الكويت».وبالنسبة لوجود تعديات واضحة على أملاك الغير وعدم الالتزام بالمخططات الهندسية وإصدار موافقات بناء غير مطابقة، أكد الكندري أنه «خلال الاطلاع على بعض العقارات المخالفة في المنطقة تفاجأنا أن بعض المواطنين تقدم بشكوى لفرع بلدية حولي حول وجود تعد صريح على عقاره، ولكن لم يكن هناك تحرك من قبل مسؤولي فرع المحافظة (ماكو واسطة) أو يكون له غيرة، حتى أصبح الجار يقوم بالبناء على طوفة جاره».واستغرب عدم تحرك إدارة السلامة في البلدية لمتابعة موضوع «الصقالة» التي من الممكن أن تشعل منطقة بكاملها، مؤكداً أن «العديد من إدارات البلدية كثر فيها التسويف، رغم أن هناك تصريحات من وزير البلدية أن لايكون لتلك الإدارات أي جانب من التنفيع». وشدد على «ضرورة أن يكون لمسؤولي البلدية وقفة جادة تجاه هذا الملف، باعتبار أن المواطنين أرهقوا من كثرة التصريحات حول الفساد، والجميع يريد أن يخرج كبطل، ومع ذلك لم نجد رجلا يخرج ليقرع الجرس ويتحمل المسؤولية ويزيل تلك المخالفات».وحول الآلية التي ستتبع في حال تم إصدار قرار بإزالة المخالفات، أكد الكندري أن «القانون واضح وهو إزالة المخالفة أو تصحيحها وتتم عن طريق متخصصين في هذا الأمر، تماشياً مع الحكم الصادر باسم سمو الأمير وهو واجب النفاذ، وإلى الآن لم يتجرأ أحد على إزالة المباني المخالفة في السكن الخاص».من جانبها قالت المواطنة أم محمد، وهي أحد المتضررين من العقارات المخالفة في منطقة الجابرية، «تقدمنا بشكوى بوجود عمارات تجارية، صممت بحجة أنها فلل ولكنها في حقيقة الأمر للإيجار»، مبينة أنه «منذ 35 سنة لم نكن نعلم أن القطع التي تم البناء عليها ما هي إلا مرافق عامة وفقاً للمخططات».وأكدت أن «فرع بلدية حولي يماطل في التعامل مع الشكاوى المقدمة لها، وذلك لحين الانتهاء من بناء تلك العمارات ويتم تأجيرها، ليبقى الوضع كما هو عليه في الوقت الحالي».بدورها بينت المواطنة لبنى سيف عباس، وهي متضررة أخرى من العقارات المخالفة في منطقة الجابرية، «أن معاناة الأهالي امتدت لأكثر من عامين، عمارات على شكل فلل، وهي عبارة عن 16 شقة في كل عقار»، مشيرة إلى أن «أحد الموظفين في بلدية فرع حولي، وهو مهندس، تم التنسيق معه باعتباره مقاول البناء، وعند تقديم شكوى يفاجأ أهالي المنطقة بتوقيع تعهدات ضده، ومع ذلك تم البناء واستكماله دون اتخاذ أي إجراءات».واضافت أن بعض قطع منطقة الجابرية قديمة جداً ولها طابعها الخاص، وبالتالي لايمكن أن يكون هناك ضغط على شبكة الصرف الصحي والكهرباء، إضافة للشكل العام للشارع والقسائم.وتساءلت «أين الرقم المدني لكل شقة موجودة؟ وعند اللجوء لبلدية حولي، نفاجأ بأنهم يقومون بزيارة ليلية وإيصال التيار الكهربائي قبل وجود أي موافقات لإيصاله»، لافتة إلى أن «العمارات التجارية أصبحت تخترق المناطق السكنية النموذجية وبتزكية ودعم من البلدية».وكشفت عباس عن «محاولة بعض العاملين في البلدية إضاعة الكتاب الموجه إلى مدير عام البلدية وعدم استلامه حتى لايسجل بشكل رسمي، وهذا الأمر منذ شهر مايو 2013»، مؤكدة أن «الإيمان بمؤسسات الدولة موجود، على أن تكون تلك المؤسسات هي كيان متفاعل يعمل بطريقة صحيحة، ولكننا خُذلنا رغم مراجعتنا لمحافظ حولي الذي أكد لنا أن لا حيلة بيده».وأكدت عباس احتمالية اللجوء إلى مجلس الوزراء، مبينة أنه «إذا أردنا العودة لمجلس الوزراء في كل موضوع فما هو دور بلدية الكويت في هذا الأمر؟».