تحوّلت تسجيلات الفيديو التي تُظهِر عملية تعذيب وحشية تعرّض لها سجناء إسلاميون في سجن رومية المركزي كرة ثلج متدحرجة أطاحت بسائر العناوين التي تشغل بيروت، حتى ان هذا الملف نافس الأزمة الحكومية التي استوجبت ان يأخذ مجلس الوزراء منذ نحو 3 اسابيع إجازة اضطرارية، تلافياً لانفجاره من الداخل بفتيل قضية التعيينات الأمنية التي يختصرها رفْض العماد ميشال عون بتّ اي بند في جدول اعمال اي جلسة وزارية قبل ان يتم تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش قبل نحو 3 أشهر من انتهاء خدمة العماد جان قهوجي.وفيما كانت بيروت تستعدّ لأسبوع ضاغط في الملف الحكومي يسبق اتجاه الرئيس تمام سلام الى الدعوة لجلسة وزارية يمكن ان تُعقد في 2 يوليو المقبل، لوضع الجميع امام مسؤولياتهم، ولا سيما بعد الصرخة التي سيطلقها الجسم الاقتصادي والنقابي بعد غد رفضاً لـ «الانتحار»، دهمت قضية التعذيب والانتهاكات لحقوق الانسان في سجن رومية المشهد السياسي محدثةً دويّاً ترددت أصداؤه في أكثر من اتجاه، وسط مخاوف من تداعيات أمنية لاحت مؤشراتها مع الغضبة العارمة التي سادت الشارع السنّي وتجلّت في قطع طرق في مناطق عدة في الشمال والبقاع وبيروت، وعلامات استفهام ارتسمت حول خلفيات غير بريئة لتسريب الأشرطة التي تعود الى ما يقارب شهريْن أثناء قيام قوى الأمن المولجة بحراسة السجن بإنهاء تمرُّد السجناء في المبنى «د» قبل نقلهم إلى المبنى «ب».واذا كان سلام القابض على الجمر في ملف الحكومة يسعى الى تفادي تحوّل قضية تعذيب السجناء كرة نار تتطاير في أكثر من اتجاه، وذلك من خلال ترؤسه اجتماعاً بعد ظهر أمس، ضمّ وزيري الداخلية نهاد المشنوق والعدل اللواء أشرف ريفي والمدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص، بدا واضحاً ان هذا العنوان المستجدّ خرج الى الواجهة محمّلاً بكل رواسب ملف الموقوفين الإسلاميين المزمن وشعور فئة لبنانية بأن سياسة كيل بمكياليْن تسود لبنان بحيث ان العصا تطاولها وحدها من بوابة الإرهاب.وفي موازاة دخول الرئيس سعد الحريري بقوة على خط محاولة سكْب مياه باردة على هذا الملف الذي سلك طريقه القضائي من خلال توقيف 7 من المتورطين في تعذيب السجناء وتأكيد وزيري الداخلية والعدل الاصرار على المعاقبة الجزائية وليس المسلكية فقط لكل العناصر الامنية المتورطة، برزت شكوك حيال توقيت اعتُبر مريباً لنشر الأشرطة التي يُنتظر بث غيرها ايضاً، وسط قراءات عدة لهذا الأمر أبرزها:* اعتبار اوساط سياسية محايدة ان الأمر يحمل في طياته محاولة لدفع الشارع السنّي الى انفجار يُظهِر «تيار المستقبل» غير قادر على ضبط شارعه، بعد ان تكون الاشرطة ظهّرته وكأنه غطّى ارتكابات بحق موقوفين إسلاميين وأحدهم شيخ معمم (عمر الأطرش) وذلك بغض النظر عن التهم التي تم القبض عليهم في سياقها.* تخوّف دوائر مراقبة من ان يكون بث الأشرطة مرتبطاً بما تم تداوُله في الايام الأخيرة عن توترات أمنيّة قد تشهدها طرابلس وبعض المناطق السنّية الأخرى مع بداية شهر رمضان المبارك، وايضاً بالرغبة في إزاحة الأنظار عن ممارسات من جانب «حزب الله» ومناصريه اعتُبرت ضرْباً لكل منطق الخطط الأمنيّة التي وُضعت لمناطق نفوذ الحزب.* الخشية من ان الأمر ينطوي على محاولة من خصوم «تيار المستقبل»، اولاً لدقّ إسفين بين وزيري الداخلية والعدل من خلال الإيحاء بأن بث الأشرطة هو في إطار تنافُس بينهما عبّرت عنه بعض «الهاشتاغات» التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي واعتُبرت غير بريئة وتعكس رغبة مكشوفة في الايقاع بين المشنوق وريفي، وثانياً لجعل الاطراف غير الحليفة لـ «المستقبل» ضمن الطائفة السنّية تستخدم ما جرى لتأليب الشارع عليه.* عدم تواني البعض عن وضع نشر الاشرطة في سياق الردّ على تأجيل المشنوق تسريح المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص، وايضاً على توقيف شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي عناصر من «حزب الله» في قضية خطف الضابط السوري المنشق محمد ن. في لبنان.* إعراب بعض الاوساط المواكِبة لملف سجن رومية عن قلقها من ان يكون هدف الأفلام استعادة الواقع الذي كان يشهده السجن قبل العملية النوعية التي نُفذت داخله بإشراف المشنوق في يناير الماضي، وأنهى خلالها ما أسماه «أسطورة رومية» وفكّك «غرفة عمليات» أديرت منها عمليات إرهابية.وغداة تأكيده في المؤتمر الصحافي الذي عقده عصر أول من أمس تحمُّله مسؤولية الارتكابات والأخطاء التي حصلت خلال دهم المبنى «د» مشدداً على أنه «لن يسمح بتكرار ما حصل مهما كلّف الأمر لأن للسجناء حقوقاً إنسانية يجب الحفاظ عليها»، واصفاً استغلال ما حصل بـ «قلّة أخلاق»، تفقّد المشنوق، الذي تلقى انتقاداً لافتاً من النائب محمد كبارة (من كتلة الرئيس الحريري)، السجن أمس، حيث اطلع من 3 سجناء على وقائع ما جرى في انتظار جلاء التحقيق القضائي الذي بدأ مع العسكرييْن اللذيْن ظهرا في الشريط المصوّر ومَن كان معهما.وكان الوزير ريفي اكد أنه سيعمد إلى «تشكيل لجان قضائية في المحافظات تُعنى بمناهضة التعذيب في أماكن التوقيف وأثناء التحقيق وفي السجون»، موضحاً أن «القضية ستتابع إلى النهاية، وأن الإجراءات ستتخد بكل حزم ومسؤولية ضد العناصر الذين أساؤوا إلى قوى الأمن وأخلاقيات ضباطها وأفرادها»، ولافتاً الى أن «الاتصالات التي تلقّاها والتي قام بها مع كل من الرؤساء سلام والحريري وفؤاد السنيورة والوزير المشنوق واللواء بصبوص ورئيس شعبة المعلومات العميد عماد عثمان، جميعها تركّزت على تفويت الفرصة على الساعين لاستهداف أمن البلد واستقراره ولمنع لبنان من الوقوع في مخطط هؤلاء»، ومؤكداً «أن تسريب الشرائط المصورة عملية غير بريئة».وكان بارزاً، انه بعيد انفجار هذا الملف، تبلّغ أهالي العسكريين اللبنانيين المخطوفين منذ 2 اغسطس 2014 لدى تنظيم «داعش» تهديداً بأن تكون المعاملة بالمثل، اذ نقل شقيق العسكري المخطوف إبراهيم مغيط نظام بأن التنظيم هدّد بأن الانتقام من العسكريين المخطوفين سيكون رداً على تعذيب سجناء رومية.