من أفضل الوسائل التي ساعدت البشرية على نشر السلوك القويم والمطلوب لبقاء البشرية ورقيها، تنظيم الزواج والتكاثر وإخراجه في قالب اجتماعي محترم ومهيب. إن الأسرة المسلمة تتميز بدورها المحوري في غرس وزراعة القيم والمُثل والمعتقدات الصحيحة في شخصيات الأجيال الجديدة، لتنهض بالمجتمع وأفراده، وأفضل طريقة لتعميق وترسيخ هذه المعاني، هي أن يعيشوها في أسرهم من خلال ما يرونه من سلوك أبويهم وطريقة تعاملهم معهم، وهذا يحمل الكبار مسؤولية تربية النفس، وتهذيب السلوكيات.العالم ينظر إلى التعليم في كل مراحله نظرة تقدير وإجلال، ويعلقون عليه الكثير من الآمال، لأنه يأتي مكملاً لما بدأته الأسرة في السنوات الأولى من عمر الطفل، من تربية وإصلاح وتعليم، فالمدارس والجامعات هي الأكثر وعياً بمسؤولياتها الاجتماعية، وهي أفضل المؤسسات التي تقوم على الجدية والمثابرة ورعاية العلاقات الاجتماعية والانتماء للمؤسسة، وحب الانجاز والتميز والإبداع والانفتاح على الجديد بضوابط والحث على التدريب والابتكار.ولكن المطلع على شؤون المؤسسات التعليمية يصاب بشيء من الإحباط، حيث إنه سيجد أن معظم المدارس مرتبكة في إدارة نفسها، وسيجد كذلك أن معظم المعلمين محبطون ومشغولون بكسب لقمة العيش في زمان الغلاء المعيشي، وكثرة المتطلبات الحياتية، إلى جانب كل هذا فإن كثيراً من المعلمين يقنعون أنفسهم بأنهم ناقلو معرفة، وليسوا مرشدين أو مربين، مع أن ما ثبت بالتجارب والخبرات أن المعلم لا يمكن أن يكون ناقل معرفة لأن المنهج الذي يتلقاه الطلاب والتقاليد المدرسية الموروثة، تشعرهم دائماً بأن المعلم يقوم بدور الأب والمرشد والمربي بل والقاضي أحياناً.كم من مربٍ ومربية خلّدوا ذكراهم في ذاكرة طلابهم برقي تعاملهم، والقيام بمهامهم التربوية قبل التعليمية على أكمل وجه وأتم إيجابية. إن المدرسة تعيد هندسة شخصية الطالب وترشّد تطلعاته واهتماماته، وتجعلها أعظم سمواً وأكثر واقعية.اليوم نادراً ما نجد المربي والمعلم الذي يهتم بالتربية والإرشاد، وصنع بيئة مدرسية جيدة ومحترمة تكافح بكل السبل ما يمكن أن ينشأ في المدرسة أو الجامعة من طبقية، فالطلاب جميعهم سواء في الحقوق والواجبات ويجب التعامل معهم وفق معايير واحدة، لذا لابد أن نكافح لتجسيد القيم التي تنبذ سلوكيات نراها بشكل شبه يومي بالمدرسة والجامعة، منها يتساوى المجتهد مع الكسول المتقاعس، ويتساوى المنتظم بالحضور مع المتواني الذي يحضر يوماً ويغيب عشراً، وينافس الراسب المجد المذاكر على تقدير الامتياز لصلة قرابته بالأستاذ أو الدكتور، كما يتساوى مَنْ يثابر ويسهر ويرهق لأداء التكاليف والواجبات المدرسية مع مَنْ يشتري مجهود غيره بماله من دون عناء أو تكلف، وهلم جرا من ممارسات يندى لها الجبين في المؤسسات التعليمية، على عكس ما أثبتته النظريات والمعلومات، بأن المؤسسة التعليمية من مدارس وجامعات هي المكان الأمثل لبناء روح الامتثال للنظام والقانون وليس خرقه وتجاوزه بحب الخشوم.m.alwohaib@gmail.comtwitter: @mona_alwohaib
مقالات
منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي
معلّمون... أم مربّون؟!
01:48 ص