يراوح لبنان بين عين العاصفة الاقليمية التي تهبّ عليه، وبين «عنق الزجاجة» الناجم عن تعاظم مأزقه السياسي - الدستوري بسبب الأزمة الحكومية المستجدة في ظل فراغ في رئاسة الجمهورية عمره أكثر من عام، والشلل الذي يحاصر البرلمان.وتعاني الحكومة الرئاسية او حكومة ربْط النزاع خطر ان تصبح «لا معلّقة ولا مطلّقة» بعدما هدّد زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، مدعوماً من «حزب الله» بشل عملها ما لم تأخذ بمطلبه تعيين قائد جديد للجيش، هو صهره العميد شامل روكز.ومن المعروف ان تحالف عون - «حزب الله» يحول منذ أكثر من عام دون انتخاب رئيس للجمهورية بسبب مقاطعته جلسات الانتخاب وإفقاد البرلمان النصاب السياسي - الدستوري ما يحول دون إنهاء الفراغ في رأس السلطة.وسط هذه الأجواء السياسية - الأمنية «القاتمة»، التقت «الراي» وزير حزب الكتائب في الحكومة سجعان قزي، وأجرت معه حواراً تطرّق الى شؤون وشجون الواقع اللبناني المحاط بكرة النار الاقليمية، وفي ما يأتي نص الحوار:• وضع الجنرال عون الحكومة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تعيين قائد جديد للجيش يفترض أنه صهره، وإما لا مناقشة لأي بند من جدول أعمال مجلس الوزراء باستثناء التعيينات الأمنية. ما المخرج وهل نحن أمام أزمة مفتوحة؟ ـ بداية لا يجوز شخْصنة الأزمة الحالية. هناك مجموعة قوى في لبنان متحالِفة ومتضامِنة في السراء والضراء، وهي تنتمي إلى مشروع إيراني يشمل كل منطقة الشرق الأوسط. وبالنسبة الى هذه القوى، لبنان يدخل في نطاق هذا المشروع الهادف إلى وضع مختلف بلدان هذه المنطقة تحت الهيمنة الإيرانية ديموغرافياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً. في لبنان، تريد إيران أن تشمل هيمنتها كل هذه الحالات، فهي تتّكئ على العنصر الديموغرافي الشيعي وعلى قوة حزب الله العسكرية وعلى تحالفاته المسيحية مع التيار الوطني الحر والمردة لتُحوّل لبنان جرماً في هذه المنظومة الإيرانية التي تسعى منذ بداية الثورة الإيرانية سنة 1979 الى «الدور الاستراتيجي». لقد انتقلت إيران من تصدير الثورة الخمينية إلى تصدير الإمبراطورية الفارسية. لا أقول هذا الكلام نكاية بإيران، فلا أحد يستطيع أن ينكر وجودها ودورها الإقليمي في المنطقة، وهو دور لم يبدأ مع مجيء الثورة الخمينية، فلا ننسى الصراع بين شاه إيران ودول الخليج العربي. نحن نتمنى أن تكون لنا أفضل العلاقات مع إيران بغض النظر عن نوعية نظامها أكان الشاه أو نظام ولاية الفقيه. ليس لنا أن نتدخل في شؤون إيران الداخلية. صداقتنا مع إيران تبدأ عند احترام حدود لبنان وسيادته واستقلاله. هذا هو معيار صداقتنا أو خصامنا مع إيران. فبقدر ما تحترم إيران حدود لبنان وخصوصيته وصيغة تعايشه ونظامه الديموقراطي ومجتمعه المدني، نكون أصدقاءها. أما إذا واصلت إيران سياستها الحالية في لبنان، فيجب أن تقبل انتقاداتنا ورفضنا لمشروعها التوسعي.• هل تضع أزمة التعيينات العسكرية في هذا السياق؟- أزمة التعيينات العسكرية هي انعكاس لمشروع تغيير النظام في لبنان، ليس بمعنى تحديثه وجعله أكثر ديموقراطية وأكثر لا مركزية وأكثر استيعاباً لحركة الإنسان ولنمو الاقتصاد، بل في اتجاه تغيير هوية لبنان الميثاقية وحضارته ومجتمعه المدني. لا أقول ان إيران يهمّها التعيينات العسكرية تحديداً، بل إنها تتضامن مع موقف حلفائها في هذا الموضوع ليواصلوا تأييدهم إياها في مشروعها الكبير. لكن لبنان لن يكون لا اليوم ولا غداً إيران ثانية.ويجب أن يفهم حزب الله أنه لن يستطيع السيطرة على كل لبنان وعلى كل اللبنانيين وعلى كل الدولة اللبنانية، كما أن على إيران أن تفهم أنها لن تستطيع السيطرة على كل الشرق الأوسط. وأعتقد أن الشرق الأوسط اليوم يتجه نحو التقسيم والتفتيت والبلقنة و«الكنتنة» والفيديراليات والكونفيديراليات. هذه العدوى ستصيب دولة لبنان الكبير حتماً إذا استمر سلوك الطبقة السياسية على ما هو عليه. نحن لسنا أقوى من سورية التي تفتّتت، ولا من العراق الذي تَفَدْرَل، ولا من اليمن الذي تَقسمّ ولا من ليبيا التي تَبلْقَنت.• هذا التوصيف ربطاً بالكلام عن الأزمة الحكومية الحالية، يعني وكأن العماد عون مجرد أداة في مشروع إقليمي كبير؟ـ ما يحدث بين العماد عون وحزب الله هو التقاء بين مشروع إيراني توسعي وطموح عوني واسع. هناك تبادل مصالح بين مشروع خارجي وطموح داخلي.بالنسبة للموضوع الحكومي، حزب الله حالياً لا يرى مصلحة في تعطيل الحكومة، لأنه بحاجة إلى غطاء شرعي في هذه المرحلة التي يمر فيها بمأزق سياسي وبخطر أمني نتيجة التطورات التي تحصل في الحرب السورية، وتحاصر مرحلياً النظام السوري، وفي منطقة عرسال وجرودها، وتربك حزب الله.لقد بدأ التململ داخل المجتمع الشيعي، الذي وإن كان يؤيد بأكثرية محترمة حزب الله، فإنه يتساءل لماذا يسقط أبناء الطائفة الشيعية خارج الأراضي اللبنانية وخارج إطار تحرير الجنوب والبقاع الغربي ومزارع شبعا وخارج أرض الآباء والأجداد.حافلات الشهداء والضحايا تجوب القرى الشيعية يومياً. والشيعة ليسوا حملةَ بندقية فقط، هم أصحاب قلب ومشاعر وعاطفة. إنهم لا يجدون تفسيراً لموت أبنائهم المتواصل في سورية والعراق واليمن وغيرهما.• هل هذا يعني أننا لن نكون أمام مأزق حكومي، وهل سيُحلّ موضوع قيادة الجيش بما أن حزب الله بحاجة إلى استمرار الحكومة؟ـ لا يفترض أن تكون هناك أزمة اسمها تعيين قيادة الجيش اللبناني. نحن في نظام له دستور وقوانين وآليات. هناك قواعد قانونية لتعيين كل مسؤول في الدولة اللبنانية، بدءاً من رئيس الجمهورية وصولاً إلى أصغر حاجب في مؤسسة رسمية.هناك افتعال لأزمة قيادة الجيش لأسباب سياسية، فحين تنتهي ولاية قائد الجيش، يعين مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع خلَفاً له. وإذا لم يحصل هذا الاقتراح على الأكثرية المطلوبة، لا يجوز إبقاء القيادة من دون قائد، وتالياً لا بد من تمديد ولاية القائد الحالي اي العماد جان قهوجي.أكثر من ذلك، نحن اليوم في شهر يونيو فيما نهاية ولاية القائد هي في أول أكتوبر. هل يستطيع أن يضمن الجنرال عون أنه من الآن وحتى أكتوبر المقبل لن يتم انتخاب رئيس للجمهورية؟ «ممكن». ولكن هل يمكن أن نبتّ في ملف كهذا بمعزل عن رئيس الجمهورية الذي هو الرئيس الأعلى للقوات المسلحة وهو الذي لديه الكلمة الفصل في اختيار قائد الجيش بحسب دستور ما قبل الطائف ودستور ما بعد الطائف؟ أكثر من ذلك، إذا عيّنا قائداً للجيش اليوم، ماذا نفعل بالقائد الحالي؟ اي سنكون أمام قائدين للجيش. وكيف سيكون حينئذ ولاء الضباط والجنود للقائد الحالي؟ هذا دون إغفال ان المستعجلين على تعيين قائد للجيش عليهم تطبيق هذا الاستعجال في انتخابات الرئاسة فيسارعوا الى إنهاء الشغور.• توحي وكأن هناك محاولات للخروج من الأزمة، في حين يقول العماد عون إما الانصياع وإما «الأقدام في الشارع» في معركة عنوانها حقوق المسيحيين..ـ رأينا الأقدام بين 1988 و1990 إلى أين أوصلت لبنان. هل يريد أن يعيدنا إلى زمن الأقدام و«الجزمات». وإذا كانت لديه أقدام فنحن لدينا رؤوس وأكتاف وزنود ورِكَبٌ، وما من أحد يهدّدنا.• هو يخوض معركة تحت عنوان حقوق المسيحيين...ـ أيهما أهمّ لضمان الدور المسيحي في لبنان، قيادة الجيش أم رئاسة الجمهورية؟ إذا كان يريد العماد ميشال عون فعلاً ضمان الدور المسيحي فليبدأ بالنزول إلى مجلس النواب وينتخب رئيساً للجمهورية. ومَن قال انه لن يكون هو رئيس الجمهورية؟ وأنا شخصياً لست من الذين يعارضون وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. فليأتِ كي نرى ماذا سيفعل، ومع مَن سيحكم، وما نهجه وبرنامجه؟ لماذا يعتبر العماد عون أن الجميع ضده؟ نحن لسنا ضده، ولكن فلينزل إلى مجلس النواب.• موفد بابوي كان في بيروت، وموفد فرنسي غادرها وسيعود إليها وممثلة الأمم المتحدة في لبنان زارت إيران...أين «القفل والمفتاح» في عملية انتخاب رئيس جديد، هل في الأفق ما يؤشر إلى إمكان الإفراج عن هذا الاستحقاق؟ـ أطراف كثر يتناوبون على تعطيل النظام اللبناني والصيغة اللبنانية من خلال تعطيل انتخاب رئيس جمهورية. ولا شك في أن المعطل الأساسي هو إيران، لأن القوى التي لا تنزل إلى البرلمان هي القوى اللبنانية المتحالفة مع إيران تحديداً. لماذا نعقّد الأمور ونفلسفها؟ هناك قوى نيابية تعطل النصاب وهي تشكل امتداداً سياسياً وأمنياً ومالياً للجمهورية الاسلامية في ايران. وتالياً فلتطلب طهران من حلفائها أن ينزلوا إلى البرلمان، ولنرَ إذا كان هناك أحد غيرهم يعطّل الانتخابات.• يقول المثَل: «في الحركة برَكة»...هل هناك تفاؤل بأن تساهم حركة الوفود والموفدين في تأمين مخرج من هذا المأزق؟ـ لا أعتقد أن هذه التحركات ستؤدي إلى انتخاب رئيس جمهورية ما دام هناك قرار بعدم النزول إلى البرلمان، وما دامت الأكثرية النيابية هي الثلثان وليست النصف زائدا واحد. الحركة الديبلوماسية الخارجية تعطي ثمارها لإخراج التسوية، وليس لانتخاب الرئيس. واليوم الظروف غير مواتية لإجراء تسوية حول هذا الموضوع. والصراع في الشرق الأوسط يمر في مرحلة دقيقة وحاسمة، ومحاولة تغيير موازين القوى على الأرض سيرافقها تصلب سياسي. فإذا حصل توازن قوى، فهذا التوازن سيؤدي إلى تعطيل الانتخاب، وإذا حصل اختلال في موازين القوى فإن الضعيف سيرفض أيضاً التنازل.• تعطيل انتخاب رئيس جمهورية، عملية حجْر على البرلمان، والآن محاولة شل القدرة المتباطئة للحكومة، وكأن هناك دفعاً للمأزق نحو أزمة نظام في لحظة «فرز وضمّ» على مستوى المنطقة؟ـ هذا ما أشرتُ إليه سابقاً. الجواب هو من شقين. الأول يتعلق بالحكومة والثاني بالفرز والضم. هذه الحكومة موجودة لسببين: سبب دستوري لأنها تقوم بالوكالة مقام رئيس الجمهورية، وسبب وطني هو تسيير شؤون الناس. فإذا كان الذين يريدون تعطيل عمل الحكومة يرمون إلى دفعها للاستقالة، فإن هذه الحكومة غير قادرة على أن تستقيل حتى ولو أرادت ذلك لأنه لا يوجد رئيس جمهورية لتقدم إليه استقالتها ولا يوجد بديل لقيادة السلطة التنفيذية مكانها، ناهيك عن شلل البرلمان.واجب الحكومة أن تؤمن الخدمات للناس، والذين يحاولون اليوم شلّ الحكومة يحاولون تعطيل مصالح الناس وضرْبهم في المكان الذي يوجِع. أي أنهم يمنعون عن الناس الدواء والاستشفاء والضمانات وتزفيت الطرق وفرص العمل وكل الخدمات التي يحتاجها المجتمع. وهذا انتقام من الناس، وأنا لا أعرف زعيماً ينتقم من شعب ينتخبه، الشعب ينتخب النواب والزعماء والسياسيين ليخدموه، خصوصاً في أزمنة الشدة، فيما اليوم نرى بعض الزعماء والنواب ينتقمون من ناخبيهم، وهذه خيانة للصفة التمثيلية وللناس الذين اقترعوا لهم، ويمكن أن تصل إلى حد الخيانة الوطنية لأن مَن يخُن وطنه ليس الذي يتعامل مع العدو فقط، إنما الذي يساهم في سقوط دولته.• كيف قرأتم «إعلان النيات» بين التيار «الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»...أين تلتقون معه وأين تختلفون؟ـ أنا أنتظر إعلان النيات الثاني لأعلّق عليه.• هل يمكن أن يبنى على هذا الإعلان بأن يتيح جمْع القوى المسيحية الأخرى؟ـ ليس مطلوبا أبداً أن يشمل الكتل المسيحية الأخرى. نحن نعتبر أن هذا اللقاء الذي تم بين «التيار الحر» و«القوات اللبنانية» عمل إيجابي، ونتمنى أن يستمر ويتطور وأن يشمل البيان الثاني موقفهم من رئاسة الجمهورية ومن القضايا الملحة وليس من القضايا الثانوية. نحن نريد موقفاً من رئاسة الجمهورية، وهذا هو الأمر الأهمّ.نتمنى أن يحصل تحالف بين مختلف القوى المسيحية ليكون تحالفها أساساً لتحالف مسيحي ـ إسلامي. لأن أي تقارب إسلامي ـ مسيحي في ظل انقسام مسيحي من جهة وانقسام إسلامي من جهة أخرى لا يصب في مشروع وحْدوي إنما في مشروع مَحاور، ونحن نبحث عن الخروج من المحاور وليس عن إقامة محاور جديدة.• من الواضح من مبادرة العماد عون حول نزول مرشحيْن إلى البرلمان وثانياً كلامه الأخير عن استفتاء عن أول وثانٍ والتوصيف في إعلان النوايا حول الرئيس القوي، وكأن القوتين المسيحيتين البارزتين تلتقيان على خريطة طريق تحت شعار...ـ (مقاطِعاً) نحن فقط؟• نعم. واين «الكتائب» في معادلات القوة هذه؟ـ «الكتائب» تنظر بإيجابية إلى ما حصل بين «التيار» و «القوات» من دون أن نكون طرفاً. هل من الضرورة أن تعلن «الكتائب» حرب إلغاء على «القوات» لتتفاوض معها وأن تعلن حرب تحرير على الجنرال عون لتحاوره؟ليست لنا عداوات لا مع «التيار الحر» ولا مع «القوات اللبنانية»، بل نعتبر أن التيار هو حزب صديق وأن «القوات اللبنانية» حزب حليف. أما من ناحية القوة الشعبية، فهذا أمر تقرره الانتخابات النيابية.• بعد قرار الحكومة في شأن عرسال، هل بات الوضع أكثر اطمئناناً؟ـ أنا لست مطمئناً إلى مجرى الأوضاع في لبنان، بغض النظر عن موضوع عرسال. هناك مشروع بلْقنة دول الشرق الأوسط، وأخاف على الكيان اللبناني بحكم انقسام اللبنانيين.• كان لافتاً أنه في الوقت الذي أعطي الجيش الضوء الأخضر لتقييم الوضع في جرود عرسال، كان «حزب الله» يخوض عمليات عسكرية في الجرود؟- في مجلس الوزراء، توجهتُ إلى وزيري «حزب الله» بالقول: تطلبون دخول الجيش إلى جرود عرسال ولكن نرى أنكم دخلتم قبله. فكيف تطلبون من الجيش الدخول وأنتم سبقتموه إلى السيطرة على بعض التلال؟ الجيش لا يتعايش مع جيش آخر. فإما أن يسيطر الجيش اللبناني على المناطق الحدودية في عرسال وفي كل لبنان، وإلا فلا نطالبه بأن يضع الخطط الأمنية.الجيش اللبناني يسيطر على الوضع هناك، بمعنى أنه يطوّق المنطقة الجردية التي فيها مسلحون غير لبنانيين، ولكن هو الذي يقرّر متى يقتحمها وإذا كان من الضروري أن يقتحمها. المهم أن يعطل قدرة هذه الفئات المسلحة على التحرك. والجيش نجح حتى الآن في تعطيل هذه القدرة.أما عرسال البلدة، فلابد من تحريرها من احتلال التكفيريين لعدد من أحيائها ومن الاضطهاد الذي يتعرض له أبناؤها. فهل تعلمون أن في عرسال اليوم محاكم شرعية تكفيرية؟ أهالي عرسال بأكثريتهم مع الدولة اللبنانية، ولكن هناك بندقية الإرهابيين التي تمنعهم من التعبيرعن موقفهم.