بو محمد من القلائل الذين لم يقيدوا أنفسهم بمحور إعلامي واحد، فهو حريص على متابعة المحورين الإعلاميين الرئيسيين في المنطقة فضلاً عن القنوات الإعلامية الأجنبية كإذاعة «بي بي سي» وقناة «سي إن إن». لذلك بو محمد من النخبة القادرة على تقييم الأمور من منظور فريد أو غير جمعي، لأنه قادر على تحليل الأحداث من خارج صناديق التفكير (out of box thinking) التي يصنعها لنا المحوران المتنافسان.بعد التفجير الإرهابي الذي استهدف مسجد الإمام الحسين (عليه السلام) في الدمام بالسعودية، تساءل بو محمد قائلا «من المستفيد من وقوع التفجيرات في المملكة العربية السعودية؟، ولماذا الآن تستهدف شيعة السعودية؟، وإذا كان «الدواعش» يجدون أن الشيعة أعداء لهم، فإيران فيها أكبر تجمع للشيعة، فلماذا لا يفجرون هناك؟، وإذا كان «الدواعش» يريدون الانتقام من حكومة المملكة فلماذا لا يفجرون المنشآت الحكومية؟، وإذا كان «الدواعش» عداء للأميركان فلماذا لا يفجرون أنفسهم - هذه الأيام - عند المصالح الاميركية في المملكة أو أي دولة أخرى (وقد فعلوها من قبل)؟، بل لماذا لا يفجرون أنفسهم في قطر مثلاً حيث توجد فيها أكبر قاعدة أميركية في المنطقة ؟على الرغم من أنني أختلف مع بو محمد في عدد من الأمور العقائدية والسياسية، إلا أنني أتفق معه في أن قضية تنظيم «داعش» ومن يقف، أو يقفون، وراءه أكثر تعقيداً مما تقدمه الصناديق الإعلامية من تفسيرات سطحية، ساذجة أحياناً وطائفية أحياناً أخرى، هدفها إدانة أعدائهم الإقليميين والدوليين. فالعديد من تحركات «داعش» العسكرية تتناقض مع أيدلوجيته العقدية، فهو مثلا يُقاتل «جبهة النصرة» التي تتوافق - بدرجة تقارب التطابق - معه في الأيدلوجية الجهادية. كما أن بعض جرائمه الوحشية تخدم عدوه العقدي، فالسعودية اليوم قلقة جدا من استهداف «داعش» لمساجدها وحسينياتها، لأن في ذلك تهديداً مباشراً لأمنها وتباعاً خدمة للمحور المنافس.التفجيرات الإرهابية التي استهدفت مصلين في السعودية، ومن قبلها الويلات التي أصابت شعوب المنطقة ومنها العراق وسورية واليمن، نذير صريح لنا في الكويت. فنحن لسنا بمنأى عما يعصف بجيراننا. فالتحديات والظروف السياسية والأمنية المحيطة بنا بالغة الدقة وتهدد استقرارنا، كما أشار سمو الأمير في كلمته لدى افتتاحه أعمال الدورة 42 للمجلس الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي.المملكة انتفضت بعد تفجير مسجد القديح من أجل خلق إدانة مجتمعية للجريمة الإرهابية، فالاستنكارات صدرت من جميع الجهات والمستويات، وولي عهدها عزى شخصياً أسر الشهداء، ووسائل إعلامها وصفت الضحايا بالشهداء، ومواطنوها بجميع أطيافهم سارعوا إلى التبرع بدمائهم لضحايا الإرهاب، ولا استبعد أن يشارك السنة في حراسة مساجد إخوانهم الشيعة في أوقات صلاة الجمعة في الأسابيع المقبلة. هذه بعض صور تصدي المملكة لما يهدد أمنها، ولكنني اتساءل لماذا لم نتعظ نحن الكويتيين من تجربتهم المريرة، ولماذا نحن متجهون بخطى ثابتة نحو ذات المستنقع الإرهابي؟أتساءل أين دور مؤسسات الدولة المعنية بالثقافة المجتمعية - كالتربية والأوقاف والإعلام - في صناعة حاجز ثقافي ينبذ العنف الطائفي؟، وأين دور الحكومة في توفير الحالة الأمنية المطلوبة لمواجهة التهديدات الإرهابية التي تحيط بنا؟، وأين مجلس الأمة بدوره الرقابي التشريعي بشأن هذين الملفين المستعجلين؟، وماذا عن الدور الإرشادي للنخب والمثقفين؟، يجب علينا جميعاً أن نعمل من أجل ترسيخ التنوع الثقافي والمذهبي والديني في الدولة، فحلقات الانتماء هذه يجب ألا تطغى على حلقة المواطنة بأبعادها الثلاثة: الانتماء والحقوق والواجبات.يبدو أن حكومتنا الرشيدة وبرلماننا المشاكس سيتعاطيان مع الدعوة السامية «بتكثيف الجهود للتصدي لظاهرة الإرهاب» كما تعاملوا مع الرغبة الأميرية بتحويل الكويت إلى مركز مالي عالمي.نحن بحاجة لنهضة وطنية تهدم أصنام التطرف الديني والسياسي، وتزرع بذور السلام في الأنفس. يجب أن ننتقل من مرحلة شعارات وطنية ومهرجانات وحدوية عقيمة لا تواكب الواقع المتأزم، إلى مرحلة تشريعات وتطبيقات تسقط التمييز وترسخ العدالة والمساواة. علينا أن نتحرر من المحاجر الإعلامية التي حجزتنا فيها المحاور الإقليمية، وننفتح على مصادر إخبارية أخرى، كما يفعل بو محمد، لكي نعرف الخبر الغث من السمين، ونتفهم موقف الكويتي الآخر ويتفهم موقفنا.قبل فوات الأوان، أوقفوا الأحزاب عن استيراد حروبها الإقليمية إلى ديارنا، كما فعلت في لبنان... ثم بقية البلدان.abdnakhi@yahoo.com
مقالات
أ. د. عبداللطيف بن نخي / رؤية ورأي
«بومحمد» والتخندق الإعلامي
11:15 ص