يوماً بعد يوم، تدحض عروض مسرح الطفل فكرة وجود كتّاب عرب متخصصين في هذا الفن، بالرغم من أهميته ومحورية دوره في ترسيخ القيم لدى الأطفال، وبناء أجيال المستقبل المرتبطين بواقعهم وبيئتهم.وبدت هذه المفارقة واضحة في عرضين، أحدهما كويتي والآخر عراقي، تم تقديمهما على خشبة مسرح المهرجان العربي لمسرح الطفل، مساء أول من أمس، حيث اعتمد العرضان على نصين مترجمين أصبحا من التراث العالمي لأدب الطفل، هما «ليلى والذئب» للروائي الفرنسي شارل بيرو، و«أليس في بلاد العجائب» للكاتب الانكليزي لويس كارول.منذ كتبها مؤلفها الروائي الفرنسي شارل بيرو العام 1698، وتحولت قصة الأطفال العالمية «ليلى والذئب» إلى معين لا ينضب، حيث تمت ترجمتها إلى كل لغات العالم، وصارت إحدى أشهر روايات أدب الأطفال حتى الآن، واقتبس منها صناع السينما والمسرح والتلفزيون العديد من الأفلام السينمائية والمسرحيات وأفلام الرسوم المتحركة على مدار سنوات طويلة.وعن النص نفسه، قدمت فرقة «الجيل الواعي» الكويتية، المسرحية الغنائية الاستعراضية «ليلى والكنز» من تأليف روضة الهدهد واخراج حسين سالم، على خشبة مسرح «التحرير» بمنطقة كيفان، وسط حضور كبير من الأهالي مع أطفالهم، في إطار منافسات المهرجان العربي لمسرح الطفل، الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وتشارك فيه فرق مسرحية من عدد من الدول العربية، منها مصر وتونس ولبنان والعراق والبحرين، إلى جانب الفرق المسرحية من الكويت.في «ليلى والكنز»، تم تغيير بعض الأحداث مع الحفاظ على الجوهر والروح الأساسية للقصة الأصلية، حيث تدور الأحداث حول فتاة جميلة تدعى ليلى ابنة الحطّاب، اعتادت أن تخرج دوماً مع أبيها كي تتجول في الغابة، وتنشد الأغاني الحوارية مع أصدقائها من الحيوانات، كالأسد والفيل والذئب والأرنب والثعلب، وفي إحدى المرّات طلبت من والدها أن تذهب وحدها، حينها أوصاها والدها ألاّ تتخاطب مع الغرباء وأن تكون حذرة، لكن ومع مرور الوقت تكتشف ليلى لحظة غروب الشمس أنها ابتعدت عن أبيها في الغابة، والذي يقوم هو الآخر بالبحث عنها، لكنه يفشل في ذلك، ويمضي الوقت بها داخل الغابة، حتى يأتي شاب يدعى شجاع يحاول مساعدتها في العثور على والدها. وأثناء بحثهما يتعرفان على ساحرة تمتلك كنزاً تحت صخرة لا تستطيع الوصول إليه.وتأخذ الساحرة شجاع وليلى رهينتين، من أجل الحصول على الكنز المدفون، لكنهما يفلتان منها بمساعدة جنّي يحقق لهما أمانيهما ويوصلهما إلى والد ليلى، بعد أن حصلا على الكنز وقررا تقاسمه بالتساوي مع أهل القرية.أداء الممثلين في مجمله، لم يكن بالحيوية التي يجب أن يتمتع بها من يقدّم عروضاً لمسرح الطفل، باستثناء الممثلة التي قدّمت شخصية الساحرة. فضلاً عن ذلك، فقد كان صوت الممثلين عموماً ضعيفاً، ولا يصل مداه إلى أقصى صالة المسرح، بسبب عدم استخدام فريق العمل للميكروفونات، متناسين أنّ جمهورهم أطفال، ويجب السيطرة عليهم على الأقل من خلال الصوت لشدّ الانتباه.أما على صعيد الديكور، فقد جاء ملائماً للفكرة العامة وبسيطاً، ولم يكن ضخماً معيقاً لحركة الممثلين، وكذلك الأمر في ما يخصّ الاضاءة، التي تلوّنت بحسب الحالات التي مرّت بها الشخصيات. وبما أنّ المسرحية في الأساس تصنّف على أنها غنائية، لذلك حرص المخرج حسين سالم على التركيز على عنصر الموسيقى والأغاني التي تفاعل معها الأطفال.«أليس في بلاد العجائب»وغير بعيد في الزمان والمكان، وتحت مظلة المهرجان العربي لمسرح الطفل أيضاً، شهدت خشبة مسرح الدسمة مساء أول من أمس عرض «أليس في بلاد العجائب»، الذي قدمته الفرقة العراقية «بغداد للتمثيل»، وهو من تأليف الكاتب الانكليزي لويس كارول وإخراج حسين علي صالح.تحكي المسرحية التي لا يكاد أحد لم يقرأها أو يشاهدها فوق خشبة مسرح أو في التلفاز، عن قصّة أليس التي ترفض الاستماع والانصياع إلى كلام والدتها، إذ تعمد إلى أن تعاندها للذهاب إلى الشاطئ برفقة دميتها الأرنب بيلي، من أجل أن تقرأ له حكايتها الخيالية الجديدة عن «اللؤلؤ المفقود».ومع إصرار أليس، ورفض الأم، تخضع الأخيرة لرغبة ابنتها، لكنها تحذرها من التحدث مع الغرباء، وهناك تنتقل إلى العالم الخيالي على الجزيرة الموجودة في الحكاية ذاتها، إذ يتحول أرنبها الدمية إلى كائن كبير يتحدث كالبشر، وتلتقي بحاجب مملكة العجائب سيدة القلوب، ومن ثمّ تلتقي بالملكة التي تريد مساعدتها للحصول على اللؤلؤ المفقود، والموجود في الصندوق في مغارة أعلى الجبل، لكن يجب عليهم ملاقاة الحكيم «بوني بوني» الذي يمتلك الخريطة المؤدية إلى الصندوق. ويحذرهم من الرجل الصخري الذي إذا شعر بشيء يمسّ الصندوق فإنه سليتهمه.ومع وصولهم إلى الصندوق، يطلب منهم أن يكون الشخص صاحب مال وقصر ونفوذ، ثمّ حل اللغز كي يفتح الصندوق، ويتضح بعد فتح الصندوق أنّ الحكيم «بوني بوني» قام بإجراء اختبار بين الأصدقاء أليس والملكة والأرنب والقط «الحاجب»، من أجل منح خارطة الكنز لاكثرهم ذكاء، كي يبرهن لهم في نهاية الأمر أنّ القوة لا تكمن في عضلاته وماله ونفوذه فقط، وإنما في ذكائه إضافة إلى العناصر السابقة. ففي الاتحاد قوة ومع الاتحاد يكون الكل في سعادة، وعندما حاولت أليس وحدها لم يفتح الصندوق، وكذلك الملكة، أما عندما اتّحد الجميع فتح الصندوق، والدرس المفيد من هذه التجربة هو أن القوة الحقيقية ليست بالمال وحده ولا بالذكاء وحده، وأنّ العقل السليم في الجسم السليم، وأنّ العناد على الأشياء غير المفيدة لا ينفع، ويجب أن نحترم آباءنا وأمهاتنا وألا نخالفهم، وأن الرجل الصخري مجرد خرافة وهو غير موجود أساساً.وفي العرض المسرحي، استطاع المخرج حسين علي صالح أن يقدم معادلة ايقاعية سليمة لعناصر العرض ككل، فكانت السينوغرافيا في مجملها بصرية بسيطة وجميلة مساندة لبعضها البعض ومتناغمة، أما أداء الممثلين فكان متقناً وحيوياً وفيه من الإقناع للطفل الكثير، وحتى اللغة العربية الفصحى لم يكن بها أخطاء تذكر، وهذا أحد أهم عوامل نجاح مسرح الطفل، ناهيك عن الأغاني والموسيقى التي شدّت الأطفال المتواجدين في الصالة.