في سوق الكويت للأوراق الماليّة 132 شركة تتداول تحت قيمتها الدفتريّة، لكن المستثمرين لا يرون في ذلك فرصة، وربما يكونون محقّين، فكثير من هذه الأسهم غالية الثمن، ولا تستحق سعرها الزهيد.تحوّلت الأسهم المتداولة دون القيمة الدفترية إلى ظاهرة لافتة في السوق الكويتي. فعندما يكون ثلثا السوق في هذه الخانة فهذا يعني إما أن السوق أعمى وإما السوق يرى أبعد مما تُظهره الأرقام.تقول النظريّة الاقتصادية إن قوى السوق لا تترك فرصة للربح إلا وتلتهمها، وبما أن السوق لا يلتهم أسهماً تتداول بأقل من نصف القيمة الدفترية فهذا يعني أنه غير مقتنع بأنها رخيصة.قد يمر السوق بفترات إحجام عن التداول تنخفض خلالها شهيّة الشراء، حتى لو كانت الأسعار منخفضة، وربما تكون هذه هي الحال لكثير من الأسهم، لكن العديد من المحللين الماليين يعتقدون أن انخفاض هذا العدد الكبير من الأسهم دون القيم الدفترية له ما يبرره.فما الذي تعنيه «القيمة الدفترية» للشركة (المُدرجة أوغير المُدرجة) في نظر الاوساط المالية والاستثمارية، وإلى أي مدى يمكنها أن تؤثر في اتخاذ القرارات الاستثمارية للمتعاملين في سوق الأوراق المالية؟«القيمة الدفترية» للسهم هي ناتج تقسيم حقوق المساهمين لدى شركة على عدد أسهمها المُصدرة، وتأتي في ظل تقييمات لأصول واستثمارات تقع ضمن ملكيات الشركة وموجوداتها، ما يعني انها أشبه بنافذة تساعد على إيجاد قراءة عادلة للفرص المتاحة في سوق الاوراق المالية، إلا أن اعتماد الغالبية من الشركات على نموذج عمل غير واضح، في ظل غياب تام للتدفقات النقدية التي تجعل من السهم سلعة جيدة تستحق الشراء وايداع المدخرات فيها، بل والاهتمام بإعادة تقييم الأصول قد ترتب عليه «ضبابية» في استخدام مثل هذا المعيار المُهم لدى الاوساط الاستثمارية.هنا بعض المسوغات التي يسوقها محللون ماليون لتفسير لماذا لا ينبغي للمستثمر أن ينظر إلى القيم الدفترية:1- ما حال الأسهم الجيدة؟هناك من يرى أن السوق قادر على الفرز والتفريق بين الجيد والسيئ، فالكيانات التي تُدر أرباحاً وتوزيعات سنويّة يقيّمها السوق بأعلى من قيمتها الدفترية بكثير. فمن اللافت مثلاُ أن البنوك (12 بنكا مُدرجا) تتداول جميعها فوق مستوى القيمة الدفترية (باستثناء بنك الاثمار)، ويبلغ المتوسط العام للقطاع هو 1.65 مرة، إذ تقع مثل هذه السلع في دائرة أسهم الملاذ الآمن.وفي قطاع العقار الذي تتداول 30 شركة من شركاته الـ 36 شركة تحت مستوى القيمة الدفترية، يلاحظ أن الشركات الست التي تتداول بأعلى من قيمتها الدفترية هي أسهم تشغيلية تتميز بتوافر تدفقات نقدية منتظمة لديها، منها «المباني» التي تتداول عند 3.07 ضعف و«التمدين العقارية» عند 1.33 ثم الصالحية عند 1.28 ضعف. وهذا يعني أن السوق يعطي شيئاً من التقدير للأسهم الجيّدة.2 - احذر القيم الدفترية الوهميّةبعض القيم الدفترية لا يصدّقها المستثمر، بسبب عمليات نفخ الأصول المُعتادة لميزانيات العديد من الشركات عبر «الحيل المُحاسبية» المعلومة. فبعض الشركات لديها أصول مسجلة منذ العام 2008 لم تخضع لتقييمات جديدة، ومعلوم للقاصي والداني أنها قسمها انخفضت كثيراً، لكن الشركات المالكة لتلك الأصول تُبقي عليها بالتقييمات السابقة «المبالغ فيها» وكأن السوق لم يمر بأزمة أو ما شابه، ولا يكلّفها الأمر إلا تحفظاً من مدقق الحسابات قد لا يثير انتباه المتداولين.3 - انظر إلى العائدالقيمة دفترية وحدها لا تكفي للتعبير عن حال الشركة، فما نفع أن يكون مضاعف السعر إلى القيمة الدفترية (P/B) أقل من واحد أو أقل من 0.5 مرة إذا كانت الشركة لا تحقق أرباحاً ولا تعطي اي توزيعات؟ أو على الأقل ليست أرباحها ذات صفة متكررة؟ لذلك لا بد للمستثمر أن ينظر أولاً وأخيراً إلى العائد، وإلى طبيعة الأرباح ومدى استمراريتها.في السوق الكويتي شركات كثيرة تتمتع بمعدل (P/B) جذاب، لكن معدل مكررات أسعارها إلى الربحية منخفضة. إلا أن هذا لا يقلل من حقيقة أن هناك عشرات الشركات الجذابة على صعيد القيمة الدفترية والأرباح في آن معاً، وهذا ينطبق خصوصاً على العديد من الشركات العقارية والصناعية، التي تجاوزت ضغوطات الأزمة وحققت تعافياً في التدفقات النقدية، لكن السوق لم يعتد بعد على نمطها الجديد في الربحيةوالتوزيعات.4 - الاختلاف بين قطاع وآخرعلى مستوى القطاعات، يلاحظ أن القطاعات الأكثر تأثراً بالأزمة هي نفسها القطاعات الأكثر تداولاً تحت القيمة الدفترية. ففي قطاع الخدمات المالية (الاستثمار)، ثمة 47 شركة من أساس 49 شركة تتداول بخصم عن القيمة الدفترية، وفي القطاع العقاري يبلغ المتوسط العام لمضاعف السعر إلى القيمة الدفترية (0.85 ضعف). أما قطاع الصناعة الأقل تأثراً بالأزمة، فيلاحظ أن 24 شركة صناعية من أساس 40 شركة تتداول تحت سقف القيمة الدفترية المعروفة، فيما تتداول الـ 16 شركة المتبقية عند القيمة الدفترية أو أعلى منها بقليل. وفي المقابل فإن قطاع البنوك الذي كان أسرع القطاعات خروجاً من الأزمة، تتداول جميع أسهمه المحلية فوق القيمة الدفترية.ويتراوح متوسط القيمة الدفترية للقطاعات بين 0.75 ضعف لقطاع الخدمات المالية (تتجاول غالبية الشركات المُدرجة فيه عند أسعار منخفضة فهو الاكثر اعتماداً على التقييم والاكثر تأثراً بما يمر به السوق من كبوات وتراجعات) و2.47 ضعف لقطاع السلع الاستهلاكية (7 شركات)، فيما يبلغ متوسط قطاع المواد الأساسية الى 0.96 ضعف والصناعة 0.96 والرعاية الصحية 1.78 والخدمات الاستهلاكية 1.46 والاتصالات 1.27 والتأمين 0.97 والتكنولوجيا 0.90 مرة.5 - ضياع الفرصهذا لا يقلل من أن الأجواء العامة في السوق لها تأثيرها، فعندما يكون المزاج سلبياً تضيع الكثير من الفرص. وبالعودة سنوات الى الوراء (قبل الأزمة المالية)، لم يكن هناك هذا الكم من الشركات التي تتداول تحت القيمة الدفترية بهذا الشكل، علماً بأن عدد الشركات المُتداول لم يختلف كثيراً عن اليوم، إذ سُرعان ما كانت تكثف المحافظ الاستثمارية من الشراء على الشركات التي تتداول تحت ذلك السقف باعتباره فرصة جيدة! وفي ظل ما تشهده وتيرة التداول من تقلبات تظل مثل هذه الكيانات التشغيلية في منأى عن تأثير تلك التقلبات إذ يستوعبها السوق ويتقبل ما يُثار حولها من تطورات وتفاصيل وتوسعات بل وتتفاعل أسهمها بشكل جيد معها، لاسيما وان مثل هذه الامور تمثل المزيد من الامان لراغبي الاستثمار في السهم.ويفرز السوق حالياً الشركات الجيدة حتى في ظل خمول التعاملات اليومية، ما يؤكد أن هناك مسببات رئيسية في تداول الاسهم فوق مستوى القيمة الدفترية او بالقرب منها عن الشركات التي تتداول عند مستويات تتراوح بين 15 و50 في المئة من قيمتها أو ما يزيد على ذلك قليلا.